نصرة الحق

نصرة الحق

رد على شيخ مسؤول في السعودية حول بعض العقائد المختلف عليها

اسكندر جديد


Table of Contents

Bibliography
الأخ الكريم
الأسئلة والرد عليها:
2 - من أعطى المجامع حق ترشيح عيسى ومريم وروح القدس للألوهية؟ وإن كان لها هذا الحق في ذلك، أفلا يكون لها حق عزلهم من الألوهية وترشيح غيرهم؟ وحق إصدار القرارات بعصمة البابا، وبمنح الكنيسة حق الغفران والحرمان؟
3 - هل وقع الصلب على أقنوم واحد دون بقية الأقانيم؟
4 - لماذا كان عيسى مسؤولاً عن خطية آدم حسب زعمكم، ومطالباً بالتكفير عنها؟
5 - أكان الأنبياء الذين سبقوا مجيء المسيح يؤمنون بألوهيته؟ (الجواب بنعم يحتاج إلى إثبات).
6 - أما كان الله قادراً على خلاص آدم وذريته بغير صلب المسيح؟
7 - التوراة لا تثبت ألوهية المسيح فهل كان موسى عالماً بها وأخفاها عن قومه أم كان جاهلاً بها؟
8 - إن كان غفران خطية آدم يحتاج إلى مثل هذه المسرحية المضحكة المبكية. فما الذي يحتاج إليه غفران خطايا العباد من آدم حتى قيام الساعة؟
9 - لماذا أجل الفداء إلى زمن المسيح وما حكم من ماتوا قبل الفداء به؟
10 - لقد عرف التثليث قبل النصرانية في عبادات الوثنيين في فارس، واليونان، والرومان، والهند، والصين. فما السر في ذلك؟
11 - الحواريون الذين عاصروا المسيح وناصروه، لم يثبت أن عبدوا المسيح، واعتقدوا بألوهيته، فهل أنتم أعلم به من الحواريين؟
12 - التوراة تنص على أن كل من علق على خشبة فهو ملعون وأنتم تصرون على أن المسيح عُلق على خشبة الصليب... وتتباهون بتعليق الصليب على صدوركم، ونحن نصر على تنزيه المسيح من تخريصاتكم، فمتى نتفق؟
مسابقة كتاب نصرة الحق

List of Tables

1.
2.

Bibliography

نصرة الحق. إسكندر جديد. الطبعة الأولى . 1975. English title: Victory of the Truth. German title: Der Sieg der Wahrheit.

الأخ الكريم

أتمنى لك نعمة من الله وسلام. وبعد، وصلني خطابكم الكريم، وفيه تطالب بتبادل النية الحسنة، والرغبة الصادقة في نصرة الحق، ونبذ الجمود الفكري، والتعصب الطائفي، في حوار لإنقاذ البشرية من الفوضى، والخروج بها من الظلام إلى النور... فمرحى للمطلب وألف مرحى!

بيد أنني حين استعرضت الأسئلة التي أرسلتها، توقفت عند السؤال الثاني، وهو «من أعطى المجامع حق ترشيح عيسى ومريم والروح القدس للألوهية؟» توقفت والأسف يمضني أن أرى النية الحسنة وأخواتها وقد تلاشت بهذا السؤال، ولم يعد لها أثر على صعيد الحوار الذي اقترحته لإنقاذ البشرية... فبهذا السؤال تحمل وزراً ثقيلاً من التجني على حق المسيحية كدين الله الحق. ويزيد في أسفي أن يكون محاورنا الكريم، الذي لقب نفسه بناصر الحق وجندي الحقيقة في غاية البعد عن الحقيقة، وبالتالي متجنياً على الحق. وأن يؤخذ بأوهام أهل البدع، فيتهم المسيحيين بتأليه مريم. وقبل أن أبدأ بالرد على الأسئلة، لا بد لي من أن أخبرك بأنك لم تصب أي هدف بكلمتك القائلة: «أرجو أن تطلع على أسئلتي وترد عليها لتعرف الجرم الذي أنت إحدى ضحاياه وثقل ما ترسف فيه من قيود وأغلال» لأنني سمعت كلام يسوع، ويسوع له المجد قال: «إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ ٱلْحَقَّ وَٱلْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يوحنا 8: 31 - 32).

والحق أقول، إن كلام المسيح حررني من كل العقد، بما فيها عقدة رد الإساءة بمثلها، لأن روح الله القدوس ثبتني في وصيته القائلة: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ» (متى 5: 44 و45). وبالفعل فحين تلوت كلماتك السيئة، صليت لأجلك.

قبل تلاوة ردي على أسئلتك المطروحة، تفضل بقبول أطيب تحياتي.

خادم يسوع المسيح

اسكندر جديد

الأسئلة والرد عليها:

1 - قال القديس أغسطينوس: «أنا مؤمن، لأن ذلك لا يتفق مع العقل، فأي فرق بين المجنون وبين من يلغي عقله»؟

لم تذكر المرجع الذي اقتطعت منه كلمة أغسطينوس، لمراجعتها في ضوء قرائنها. لأنه من السهل على المرء أن يفسر آية عبارة مقتطفة وفقاً لغرضه. وعلى أي حال فالكلمة «إيمان» تفرض على الإنسان قبول الغيبيات، التي لا يستطيع إدراكها بالعقل، وقد جاء في كتاب الله: «وَأَمَّا ٱلإِيمَانُ فَهُوَ ٱلثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَٱلإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى» (عبرانيين 11: 1). وهذا القول لا يختلف عن تعريف العلماء للإيمان. فقد قالوا أنه التصديق المبني على الشهادة، لا على الحواس. لأن الإيمان هو الثقة بما يرجوه المؤمن، وهو لا يراه فخرج بهذا القيد على ما كان الإنسان حاصلاً عليه، أو ما كان يراه. ولما كان موضوع الإيمان ما يُرجى وما لا يُرى، عرف أنه مبني على شهادة الغير لنا. لا على شهادة حواسنا. وعلى ذلك يكون الإيمان بالله مثلاً، الإيقان بوجود الله، بناء على شهادة أعماله. والإيمان بقيامة الموتى، هو اليقين المبني على هادة الله في كتابه. والإيمان بالسماء التي نرجوها ولا نراها، هو الإيقان بوجودها بناء على شهادة الكتب الموحى بها.

1 - إننا نؤمن بحوادث تاريخية بناء على شهادة المؤرخين وبالحقائق العلمية بناء على شهادة العلماء. وبخبر الخلق والسقوط والفداء، بناء على شهادة الوحي، وفقاً لنص الكتاب المقدس القائل: «بِٱلإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ ٱلْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ» (عبرانيين 11: 3). وكذلك كل التعاليم عن الحياة الأبدية، والتجديد والتبرير والتقديس، والاتحاد بالمسيح، والقيامة والدينونة في اليوم الأخير، فإن هذه كلها قبلت بناء على شهادة الله.

2 - إن الكتاب المقدس يعرف الإيمان كذلك. فالعهد الجديد سمي شهادة يسوع، ويسوع في الواقع لم يأت فيلسوفاً، بل شاهداً، بدليل قوله للرئيس اليهودي نيقوديموس: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا» (يوحنا 3: 11). وقول يوحنا المعمدان لليهود: «اَلَّذِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ ٱلْجَمِيعِ، وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا. وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ ٱللّٰهَ صَادِقٌ» (يوحنا 3: 31 - 33).

وكذلك رسل المسيح كانوا شهوداً، إذ عينهم المسيح للشهادة، حين قال لهم: «لٰكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُّوَةً مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ» (أعمال الرسل 1: 8).

وكان أعظم ما اعترض به على الرسل في بلاد اليونان، أنهم لم ينادوا بتعاليم كقضايا تقبل البرهان، ولا بينوا الأسس الفلسفية لتعاليمهم، ولا ثبتوها ببراهين عقلية. وقد أجاب رسول الجهاد العظيم بولس على هذا الاعتراض، فقال: إن الفلسفة التي هي حكمة البشر، لا تبلغ القضايا العظمى المتعلقة بالله وبأعماله، وبالخطية والفداء، وهي جهالة بالنسبة لأمور الله. وقال أيضاً إن الحقائق التي علمها لم تكن من حقائق العقل. بل من الإعلان، ويجب أن نصدقها، لا بناء على المبادئ العقلية أو الفلسفية، بل شهوداً. وأنهم لم يبرهنوا الأمور الروحية بكلام الحكمة الإنسانية، وإنما نادوا بمشورات الله. وأن الإيمان بالتعاليم الموحى بها، يجب أن يكون مبنيّاً على شهادة الله الصادقة، لا على حكمة الإنسان.

ومن الأدلة على تعليم الكتاب في الإيمان أنه التصديق بناء على الشهادة، أمره لنا بأن نؤمن بخبر الوحي بأمور الفداء إذ يقول: «مَنْ لاَ يُصَدِّقُ ٱللّٰهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِباً، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا ٱللّٰهُ عَنِ ٱبْنِهِ. وَهٰذِهِ هِيَ ٱلشَّهَادَةُ: أَنَّ ٱللّٰهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ هِيَ فِي ٱبْنِهِ» (1 يوحنا 5: 10 - 11). ولا يمكن أن يعبر عن تعليم الكتاب بشأن حقيقة الإيمان، بكلام أوضح من هذه الأقوال.

والخلاصة أن موضوع الإيمان، هو إعلان الله، وأساسه شهادة الله. فمن قبل هذه الشهادة فقد ختم أن الله صادق. ومن يرفضها يجعله كاذباً، وهذا أشهر أنواع الكفر.

فإذا قبلنا شهادة الناس فشهادة الله أعظم. هذا تعليم الكتاب المستمر، والأساس الذي نبني عليه إيماننا، ليس هو موافقة الحق المعلن لعقولنا وحسب، ولا تأثيره في حواسنا، ولا كفايته للقيام بحاجات طبيعتنا وأحوالنا، بل مجرد كونه كلام الله. وله هذا الختم: «هكذا قال الرب».

ويتضح كذلك تعريف الكتاب المقدس للإيمان، من أمثلة الإيمان فيه، فإن الله وعد أبوينا الأولين على أثر السقوط بأن نسل المرأة (يسوع) يسحق رأس الحية (إبليس) والإيمان بهذا الوعد مبني على شهادة الله.

ولما أنذر نوح بمجيء الطوفان وأمره الله بأن يبني ويعد الفلك، آمن ليس لأنه رأى علامات بمجيء الطوفان، لا لأن عقله برهن له أن الإله العادل مزمع على أن ينتقم لشريعته من الناس على هذا الأسلوب، بل بناء على شهادة الله فقط.

وكذلك وعد الله إبراهيم بأن امرأته العقيم سارة ستلد له وارثاً إذ نقرأ في الكتاب العزيز: «بِٱلإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضاً أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ ٱلسِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ ٱلَّذِي وَعَدَ صَادِقاً» (عبرانيين 11: 11) فبحسب الظاهر، هذا القول مخالف للعقل كما نرى في الخبر، حيث قيل: «وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي ٱلأَيَّامِ، وَقَدِ ٱنْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَٱلنِّسَاءِ» (تكوين 18: 11). أي إن سارة كانت قد تجاوزت التسعين عاماً من العمر، وفات الزمان الذي فيه تحمل النساء وتلد. ومع أن الأمر غير معقول حسب الطبيعة، إلا أن سارة آمنت، وبالنظر إلى كونها شريكة إبراهيم في إيمانه، ولدت بقدرة الله اسحق في شيخوختها.

وبناء على ذلك يصح تعريف الإيمان بأنه تصديق الحق، بناء على الشهادات. وإيمان المسيحيين، بما فيهم أغسطينوس هو الاقتناع بصدق الحوادث والتعاليم المدوّنة في الكتاب المقدس بناء على شهادة الله.

2 - من أعطى المجامع حق ترشيح عيسى ومريم وروح القدس للألوهية؟ وإن كان لها هذا الحق في ذلك، أفلا يكون لها حق عزلهم من الألوهية وترشيح غيرهم؟ وحق إصدار القرارات بعصمة البابا، وبمنح الكنيسة حق الغفران والحرمان؟

قبل الرد على السؤال، أذكرك بقول القرآن: «وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (سورة العنكبوت 29: 46). فأنت في طرح سؤالك على هذه الصورة، خرجت على مبدأ الكياسة التي ألزم القرآن بها كل مسلم أما الرد على السؤال فهو:

أ - إن المسيحية لا تؤله مريم، والآن اسمح لي بأن أهمس في أذنك بأنك بسؤالك هذا لم تكتشف أمراً مهماً، فقد ورد هذا السؤال في القرآن هكذا: «وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ» (سورة المائدة 5: 116). وقد نشأ هذا السؤال من وجود أهل بدعة عند ظهور الإسلام. وهم أناس وثنيون، حاولوا الالتصاق بالكنيسة، فنادوا ببدعة مفادها أن مريم العذراء آلهة. ويقول المؤرخون أنهم استعاضوا بها عن الزهرة، التي كانوا يعبدونها قبلاً. وقد أطلقوا على أنفسهم اسم المريميين. وأشار إليهم العلامة أحمد المقريزي في كتابه «القول الإبريزي» صفحة 26. وذكرهم ابن حزم في كتابه «الملل والأهواء والنحل» صفحة 48. ولكن هذه البدعة بعيدة كل البعد عن المسيحية، وليس من مسيحي واحد يؤمن بها. وقد انبرى العلماء المسيحيون زمنئذ لمقاومة هذه الضلالة بكل الحجج الكتابية والعقلية. ولم ينته القرن السابع، حتى كانت قد تلاشت تماماً.

وبالمناسبة أود أن أذكّر الصديق السائل بأن الإسلام لم يخل من أهل بدع التصقوا به، وعددهم يبلغ العشرات، أذكر منهم:

  • السبانية: أتباع عبد الله بن سبأ، وهم يعتقدون بأن علي بن أبي طالب إله. ولما عاقبهم حرقاً بالنار، قالوا الآن علمنا أنك إله. لأن الإله هو الذي يعذب بالنار.

  • الشيطانية: أتباع محمد بن نعمان الملقب بشيطان الطاق. ومن ممارساتهم الدينية، أنهم يكرمون الشيطان.

  • الجناحية: أصحاب عبد الله بن معاوية ويعتقدون بأن الأئمة الاثني عشر آلهة، وبأن روح الله كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت في صاحبهم عبد الله المذكور الملقب بذي الجناحين.

  • البزيغة: أصحاب بزيغ بن موسى، وكانوا يقولون بأن جعفر الصادق هو الله وإنما تشبه للناس بصورة إنسان.

  • الحائطية: وهم أتباع أحمد بن حائط. ومن تعاليمهم أن للخلق إلهين، أحدهما خالق والآخر مخلوق.

  • المزدارية: وهم أتباع عيسى بن صبح، الملقب بالمزدار. ومن أقوالهم: أن الله قادر على أن يكذب ويظلم وقالوا أن القرآن مخلوق، وأن بلاغته وفصاحته لا تعجزان الناس، بل يقدرون على الإتيان بمثله. وفرق أخرى متعددة لا يتسع مجال هذه الرسالة لذكرها كلها. فهل الإسلام مسؤول عن وجود هذه الفرق المبتدعة، وبالتالي هل وجودها يشكل طعناً في الديانة الإسلامية؟

ب - إن كلمة «ترشيح» لا تصح على يسوع المسيح لأن الألوهية منزهة عن الترشيح، ولو كره الصديق الناقد، الخارج على كياسة الإسلام. فالمسيح إله حق من إله حق. وهو أعلن ذلك، وقد سمعته الجماهير، وقرأ شهادته الملايين من البشر على اختلاف درجاتهم وعقلياتهم، حكماء وفلاسفة وبسطاء، وعلماء كبار وصغار، فاشرأبت أعناقهم وفتحوا قلوبهم وعيونهم، قبل آذانهم، لاستيعاب ما يفيض من أقوال مجيدة عن نفسه، يستمعونه بإعجاب وتعظيم.

وقال أحد الكتاب الكبار الألمان: لو كان المسيح مجرد معلم، لكان كلامه عن نفسه وتوجيه أنظار الناس إليه والإيمان به ثالباً لصفاته... ولكن بما أنه مخلّص العالم، كان من الضروري والواجب المحتوم، أن يشدد المسيح في الكلام عن نفسه، والإشارة إلى شخصيته العجيبة، لكي يؤمن الناس به. لأن الذي يؤمن به، يخلص.

قال القمص سرجيوس: ومن عجب المسيح ودلالة تفرده عن البشر قاطبة، إننا حين نطالع الإنجيل نجد أن المسيح، أينما ذهب وأينما حل تقوم الأسئلة الكثيرة وتدور حوله. وكان موقف الناس بإزائه عبارة عن علامة استفهام. فكان كلما تكلم، وكلما عمل يكون موضوع سؤال الناس.

قالوا عندما سمعوه يتكلم ورأوه يعمل: «مِنْ أَيْنَ لِهٰذَا هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ وَٱلْقُّوَاتُ؟ أَلَيْسَ هٰذَا ٱبْنَ ٱلنَّجَّارِ؟... مَا هٰذَا؟ مَا هُوَ هٰذَا ٱلتَّعْلِيمُ ٱلْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى ٱلأَرْوَاحَ ٱلنَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ!» (متّى 13: 54 و55 ومرقس 1: 27). وكثير وكثير من الأسئلة قامت عليه.

فما هذه الأسئلة حوله؟ أليست دليلاً على أن المسيح شخص عجيب، لم يكن كغيره من البشر، وأن هناك فارقاً عظيماً بينه وبين الناس، يشعر به كل من يراه ويسمعه؟

إن شهادة المسيح لنفسه، ما كانت لتقوم لولا أنه إله وليس مجرد بشر لأن الله وحده هو الذي يشهد لنفسه، أما كون المسيح خارقاً للطبيعة، فهذا واضح من تصريحاته:

  1. السلطان: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متّى 28: 18).

  2. الوحدة الإلهية: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30). «أَنِّي فِي ٱلآبِ وَٱلآبَ فِيَّ» (يوحنا 14: 11). «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا 14: 9).

  3. الأزلية: «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنا 8: 58). وهذا الإعلان أخطر ما صرح به المسيح لأن الكلمة «أنا كائن» هي ذات اللفظة التي عبر بها الله الآب عن نفسه، حين سأله موسى: بماذا أجيب الشعب إذ سألني من أرسلك إلينا (خروج 3: 12 - 14)، وهذا الإعلان يفيد أن المسيح يرى في شخصه ذات الإله القديم، الذي ظهر في العليقة لموسى، على جبل حوريب - قال المسيح للرسول يوحنا، حين ظهر له في جزيرة بطمس: «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبَدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (رؤيا 1: 8).

    - الألف والياء هما الحرفان الأول والآخر من حروف الهجاء. وهما في الأصل اليوناني الذي كتب به الإنجيل «ألفا وأميغا» وهما يعبران عن أزلية المسيح وأبديته الإله الذي ليس قبله شيء.

    الكائن والذي كان والذي يأتي، هذا تصريح بسرمدية المسيح وقوته غير المحدودة.

  4. الله يتكلم في المسيح: قال له المجد: «ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لٰكِنَّ ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ» (يوحنا 14: 10).

  5. وجوده في السماء وعلى الأرض، في حديثه مع الرئيس اليهودي نيقوديموس قال المسيح: «وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلاَّ ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ» (يوحنا 3: 13). فهنا نلاحظ أن المسيح يتحدث ليس فقط عن مجيئه من السماء، بل أيضاً عن وجوده الدائم في السماء.

  6. إنه ديان الأحياء والأموات: «وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ ٱلشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ ٱلرَّاعِي ٱلْخِرَافَ مِنَ ٱلْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ ٱلْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَٱلْجِدَاءَ عَنِ ٱلْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ ٱلْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ ٱلأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ ٱلْمَلِكُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هٰؤُلاَءِ ٱلأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ ٱلْيَسَارِ: ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ» (متّى 25: 31 - 41).

    فالمسيح بتصريحه هذا أبان أنه ديان الجميع العادل، وأنه سيأتي بمجد عظيم مع ملائكته، وتكون دينونته قاطعة ونهائية. وقد أصر على هذا التصريح في أثناء محاكمته أمام قيافا رئيس الكهنة لما سأله إن كان هو المسيح ابن الله الحي، فأجاب: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلآنَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُّوَةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ» (متّى 26: 63 - 64).

    فلو كان المسيح مجرد إنسان كاذب، لكان حين رأى حكم الموت الذي صدر عليه بسبب هذا الادعاء، تراجع عن تصريحه لينجو من حكم الموت. فكيف يكون إذن مجرد إنسان ويدين كل العالم، حسب عمل كل واحد، خيراً كان أم شراً.

  7. حضوره في كل زمان ومكان: قال لتلاميذه: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متّى 28: 20). «لأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متّى 18: 20).

  8. إنه واضع الناموس ومكمله: فقد قال: «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ... قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ، سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُّوَكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ» (متّى 5: 21 - 48).

أعمال المسيح تشهد بألوهيته:

  1. إقامة الأموات (لوقا 7: 13 - 15، مرقس 5: 22، يوحنا 11: 1 - 27).

  2. غفران الخطايا (مرقس 2: 5 - 12) لأن غافر الخطايا هو الله.

  3. العلم بالخفيات (لوقا 22: 1 - 12).

  4. سلطانه على عناصر الطبيعة (لوقا 8: 22 - 25).

  5. إرساله الروح القدس (يوحنا 15: 26).

  6. كونه خالق الكل (كولوسي 1: 16).

شهادة الآب بألوهيته:

لقد أعلن الآب ذلك بوحيه إلى الأنبياء الذين كتبوا الأسفار المقدسة:

«لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ» (إشعياء 9: 6).

«وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا)»(إشعياء 7: 14، متّى 1: 23).

شهادة الرسل بألوهيته:

إن شهادة الرسل الذين درسوا الديانة اليهودية، التي تُعلّم التوحيد ذات أهمية كبرى وقد جاءت شهادتهم عن طريق الأثر القوي الفعال الذي انطبع في عقولهم وقلوبهم وضمائرهم من حياة يسوع الفائقة الطبيعة وتعاليمه السماوية وأعماله العجيبة، حتى آمنوا بألوهيته. وفي كل ما كتبوه عن لاهوته وتركوا كل شيء وتبعوه، لم يشعروا بأنهم أتوا أمراً غير عاد أو مخالف لعقيدتهم التوحيدية ففي الأناجيل التي دونوها والرسائل التي كتبوها، نسبوا إليه كل الصفات التي اعتادوا أن يعزوها إلى الله. ذلك لأنهم وجدوا في المسيح ينبوعاً لحياتهم الروحية وفي كرازاتهم المدونة تكلموا عنه كقوة قديرة حاضرة وقد تأكدوا من أزليته ومجده الإلهي قبل أن يتجسد. وخلاصة القول أن أكبر مكابر لا يستطيع أن ينكر أن الرسل والمسيحيين الأوائل عبدوا يسوع كرب. وها هي عينات من شهاداتهم:

مرقس الإنجيلي: هذا التلميذ افتتح إنجيله بالقول «بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ» (مرقس 1: 1). وختمه بالقول: «ثُمَّ إِنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ٱرْتَفَعَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ. وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَٱلرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ ٱلْكَلاَمَ بِٱلآيَاتِ ٱلتَّابِعَةِ» (مرقس 16: 19 - 20).

يوحنا الإنجيلي: افتتح هذا البشير إنجيله بالقول: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ. هٰذَا كَانَ فِي ٱلْبَدْءِ عِنْدَ ٱللّٰهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 1 - 3).

ولقد وردت «الكلمة» في اليونانية - التي هي لغة الإنجيل الأصلية - بلفظة «لوغوس» ومعناها النظام الذي يسود الكون، أو الوسيط بين الله والكون. والذي به خلق الله الكون.

لذلك ألهم يوحنا أن يبين لليهود واليونانيين معنى الكلمة، فقال: في البدء كان الكلمة كلمة البدء هنا تعني الأزل أي أن وجود الكلمة، كان سابقاً لكل وجود.

ولكي يقضي على فكرة القائلين بأن الله لا يمكن أن يتصل بالمادة، قال: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (يوحنا 1: 14).

بطرس الرسول: قال هذا الرسول في شهادته أمام جمهور اليهود: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ ٱسْمَعُوا هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ: يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ ٱللّٰهِ بِقُّوَاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا ٱللّٰهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ. هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ... فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ٱللّٰهَ جَعَلَ يَسُوعَ هٰذَا، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبّاً وَمَسِيحاً» (أعمال 2: 22 - 36).

بولس الرسول: قال هذا الرسول بإلهام الروح القدس: «لٰكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ ٱلْكَامِلِينَ، وَلٰكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، ٱلَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللّٰهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، ٱلَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ - لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (1كورنثوس 2: 6 - 8).

فيسوع صار في صورة إنسان حين تجسد، وفي الوقت نفسه كان إلهاً لم يعرفه أبناء هذا الدهر. ولو أنهم عرفوا أنه رب المجد لامتنعوا عن صلبه.

وقال في مكان آخر: «لٰكِنْ لَنَا إِلٰهٌ وَاحِدٌ: ٱلآبُ ٱلَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ ٱلأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، ٱلَّذِي بِهِ جَمِيعُ ٱلأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ» (1 كورنثوس 8: 6).

وقال في رسالته إلى أهل كولوسي: «شَاكِرِينَ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ، ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ مَحَبَّتِهِ، ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ... فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (كولوسي 1: 12 - 17).

وقال أيضاً: «اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِٱلْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ ٱلنَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَسِيحِ. فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، ٱلَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ» (كولوسي 2: 8 - 10).

قال رجل الله ستانلي جونس: إني أعرف أن لا شيء أسمى وأجدر بالله وبالإنسان من مشابهة يسوع المسيح لأني أعتقد إن كان الله مثل المسيح فهو إله صالح، يمكن الاتكال عليه والثقة فيه، لأن شكوك العالم ليست عن المسيح، بل هي عن الله لأن الناس حين يرون الزلازل تبيد الأبرار والأثمة على السواء. وحين يرون الأطفال يقاسون ألوان العذاب من أمراض مختلفة يتحيرون ويتساءلون أيوجد إله صالح في هذا الكون؟ ولكن الفكر المضعضع المرتاب يلتفت إلى يسوع المسيح بطمأنينة ويقول: إن كان الله مثل هذا فهو إله حق. ونحن كمسيحيين نقول أن الله كذلك فهو كالمسيح في سجيته ونعتقد أن الله هو يسوع المسيح في كل مكان وأن يسوع المسيح هو الله معنا. إنه حياة البشرية.

ولو اجتمع أكبر أصحاب العقول والنفوس بين الناس وشحذوا قرائحهم ليتوصلوا إلى معرفة صفات الإله الذي يودون أن تكون له سيادة الكون، لوجدوا أن صفاته الأدبية والروحية تتخذ صورة شبيهة بصورة يسوع، ومما لا ريب فيه إن أعظم بشارة أعلنت للجنس البشري، هو القول الموحى به من الله: «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (1 تيموثاوس 3: 16). وإن أعظم ما نستطيع إذاعته على العالم غير المسيحي، هو أن الله الذي تعرفون عنه شيئاً غير جلي، ولم تعرفوا حقيقة صفاته لهو مثل يسوع المسيح وفي يقيني إن كان الله يعطف على الأطفال كما كان المسيح يعطف عليهم ويهتم بالأبرص والمنبوذ والأعمى والمشلول كما كان يسوع يهتم بهم وإن كان قلبه يشبه ذلك القلب الذي انكسر على صليب الجلجثة، فإني لن أحجم عن أن أقدم له قلبي بلا تحفظ».

ج - كلمة ترشيح: لا تنطبق على الروح القدس لأن الروح القدس هو الله وإليك النصوص التي تثبت ذلك:

قال الرب يسوع في حواره مع المرأة السامرية: «وَلٰكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ ٱلسَّاجِدُونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ، لأَنَّ ٱلآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ ٱلسَّاجِدِينَ لَهُ. اَللّٰهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 23 - 24).

وقال الرسول بطرس لحنانيا الغاش: «يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلأَ ٱلشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ ٱلْحَقْلِ؟ أَلَيْسَ وَهُوَ بَاقٍ كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هٰذَا ٱلأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى ٱلنَّاسِ بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ» (أعمال 5: 3 - 4).

لعل اعتراضك مبني على تعاليم الإسلام، القائلة بأن الروح القدس هو الملاك جبرائيل، الأمر الذي لا تقره المسيحية لأن جبرائيل ملاك مخلوق، بينما الروح القدس إله خالق، بدليل قول الكتاب المقدس:

«رُوحُ ٱللّٰهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ ٱلْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي» (أيوب 33: 4).

«تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ ٱلأَرْضِ» (مزمور 104: 30).

ومن ألقاب الروح القدس الواردة في الكتاب المقدس روح الرب - روح المسيح - روح الله القدوس - الروح القدس - روح الحق - روح القداسة وكلها تدل على أنه الله نفسه.

د - عصمة البابا: نحن رعايا الكنائس الإنجيلية المصلحة، خارج سلطة البابا. لذلك فالأصلح لك أن تطرح سؤالك على أحد أتباعه.

هـ - حق الكنيسة في الحرمان والغفران: ليس في تعليم الإنجيل ما يُسمى بالحرمان، بل هنالك تعليم يقضي بعزل الخاطي عن شركة المؤمنين إلى أن يتوب. فإذا تاب ورجع إلى الله، تعلن الكنيسة قبوله مجدداً في الشركة. وهذا التعليم مبني على الوصايا الرسولية التالية:

«وَأَمَّا ٱلآنَ فَكَتَبْتُ إِلَيْكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُّوٌ أَخاً زَانِياً أَوْ طَمَّاعاً أَوْ عَابِدَ وَثَنٍ أَوْ شَتَّاماً أَوْ سِكِّيراً أَوْ خَاطِفاً، أَنْ لاَ تُخَالِطُوا وَلاَ تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هٰذَا... فَٱعْزِلُوا ٱلْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ» (كورنثوس الأولى 5: 11 - 13).

«ثُمَّ نُوصِيكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، بِٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلاَ تَرْتِيبٍ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا» (2 تسالونيكي 3: 6).

أما تعليم الغفران فمبني على وصايا الرب يسوع نفسه، إذ قال:

«اِحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَٱغْفِرْ لَهُ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ فَٱغْفِرْ لَهُ» (لوقا 17: 3 - 4).

«وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَٱذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ ٱثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ٱلْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَٱلْوَثَنِيِّ وَٱلْعَشَّارِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي ٱلسَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي ٱلسَّمَاءِ» (متّى 18: 15 - 18).

وقال الرسول يعقوب معقباً على هذا التعليم: «أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، إِنْ ضَلَّ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ عَنِ ٱلْحَقِّ فَرَدَّهُ أَحَدٌ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئاً عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْساً مِنَ ٱلْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ ٱلْخَطَايَا» (يعقوب 5: 19 - 20).

و - وإذا كان لها الحق في ذلك أفلا يكون لها حق عزل من ألهتهم وترشيح آلهة أخرى؟

هذا القسم من السؤال يحمل معنى الاستهزاء، ونحن لا نتعامل مع المستهزئين وفقاً للتعليم النبوي القائل: «طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ ٱلأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ ٱلْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ» (مزمور 1: 1).

3 - هل وقع الصلب على أقنوم واحد دون بقية الأقانيم؟

إنه لمما يدعو للعجب أن يتقدم مسلم يتلو القرآن بسؤال كهذا، لأن القرآن نفسه نقل إلينا رواية اليهود عن صلب يسوع المسيح. إذ يقول: «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ» (سورة النساء 4: 157).

فالصلب وقع على الأقنوم الثاني لله، بناء على عهد الفداء بين الآب والابن. لأجل خلاص البشر. وهو من الأمور الخارجة عن إدراكنا وبما أن تعليم الفداء وارد في الكتاب المقدس وجب علينا قبوله. بدون الظن إننا قادرون أن نصل إلى ما يحيط به من أسرار الله. نعم، إننا نؤمن بإله واحد، أي كائن واحد له جميع الصفات الإلهية ولكن في اللاهوت ثلاثة أقانيم. هم جوهر واحد، ومتساوون في القدرة والمجد. ومن المحتملات التابعة شخصية كل من الأقانيم الثلاثة إمكان عقد عهد، بين أقنوم وآخر من الأقانيم، وإرسال أقنوم لغاية ما واتضاع أقنوم واحد تحت سلطان أقنوم ويمكن الواحد أن يحب الآخر، ويخاطبه ويرسله فيمكن الآب مثلاً أن يرسل الابن. ويعطيه عملاً ليعمله غير أن تحليل هذا الموضوع فوق إدراكنا. ولكن بما أن الكتاب المقدس علمه، وجب أن يكون قسماً من الإيمان المسيحي.

ويذكر الرسول بولس، أن عهد الفداء بين الآب والابن. كان مكتوماً منذ الأزمنة الأزلية في العقل الإلهي (رومية 16: 25). وقال الرسول المغبوط في هذا الصدد: «وَأُنِيرَ ٱلْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ ٱلسِّرِّ ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ فِي ٱللّٰهِ خَالِقِ ٱلْجَمِيعِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 3: 9، كولوسي 1: 26).

والمسيح نفسه ذكر أن المواعيد بالفداء كانت قبل تجسده وأنه أتى إلى العالم لإجراء ما فوض له. وكل هذا يصدق على ما جرى بين الآب والابن. وأن تعبير الكتاب المقدس عن ذلك، هو أن الآب عين للابن عمل الفداء وأرسله إلى العالم. لكي يعمله وهذا العمل العظيم لزم المسيح:

  1. أن يتخذ طبيعتنا ويولد من امرأة ويوجد في الهيئة كإنسان، بحيث يكون عظماً من عظمنا ولحماً من لحمنا. أو كما قال الكتاب: «مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلّٰهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا ٱلشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّباً يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ ٱلْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين 2: 17 - 18). «لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ. فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ ٱلنِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْناً فِي حِينِهِ» (عبرانيين 4: 15 - 16).

  2. أن يولد تحت الناموس (غلاطية 4: 3)، وأن يتعهد باختياره أن يكمل كل بر بطاعته للناموس طاعة كاملة، في جميع صوره، التي فرضت على الإنسان (متّى 5: 17 - 18).

  3. أن يقدم كفّارة كافية لأجل خطايا العالم، مقدماً نفسه ذبيحة عن خطايا العالم (إشعياء 53: 1 - 12، 2 كورنثوس 5: 21، غلاطية 3: 13، أفسس 5: 2). ولكي يتم ذلك التزم أن يعيش على الأرض، وأن يحتمل ما احتمله من الحزن والألم، والعار بالموت على الصليب.

أما من جهة الآب، فقد وعد بأن يهيء له جسداً، أي يعد له مسكناً كجسد آدم، لكنه منزه عن الفساد ولا عيب فيه (عبرانيين 10: 5). وأن يعطيه الروح القدس مسانداً، وأن يملأ كل طبيعته البشرية من النعمة والقوة، وأن يكون دائماً عن يمينه لكي يعضده في ساعات جهاده ضد قوات الظلمة، وأن يسحق الشيطان تحت قدميه، وأن يدفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض (متّى 28: 18، فيلبي 2: 6 - 18، يوحنا 5: 22). وأن يفوض إليه إرسال الروح القدس، لأجل تجديد المؤمنين وتنويرهم وإرشادهم وتعزيتهم وتقديسهم (يوحنا 15: 26، 16: 13، 17: 2، 7: 39، أعمال 2: 33). وأن يتمجد الآب نفسه به، ويظهر بواسطته وفيه وفي كنيسته الصفات الإلهية الكاملة أمام أعين جميع الناس والخلائق العاقلة فيرى من تعب نفسه ويشبع (أفسس 1: 12، إشعياء 53: 11).

الفداء مشورة إلهية:

يثبت الكتاب المقدس أن عمل الخلاص بالفداء، جرى بمقتضى قصد سابق أو مشورة في ذهن الخالق. وهو يدعوه نظراً إلى إعلانه التام في وقت مجيء المسيح «تَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ (وتدبير الله) «لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 1: 10) والسر المكتوم في الله خالق الجميع بيسوع المسيح الذي غاية الإنجيل العظيمة إعلانه. والذي قصد به إعلان حكمة الله المتنوعة بواسطة الكنيسة للرؤساء والسلاطين (أفسس 3: 9 - 11).

ومقتضيات الخلاص الإلهي بالفداء ثلاثة:

  1. اختيار أو تعيين الغاية التي قصد إتمامها.

  2. إعداد الوسائط الموافقة لذلك الإتمام.

  3. استعمال الوسائط أو إجراؤها فعلاً لنوال الغاية المقصودة ولا ريب في أن هذه المقتضيات تمت عند إنفاذ الله لعمل الفداء بموجب مشورته السابقة ومما يؤيد ثقتنا في قضاء الله الأزلي في الخلاص وإجرائه فعلاً بحكم النظام. ما نراه في دائرة المخلوقات الطبيعية من احكام النظام لأن كل من له إلمام بالعلوم الطبيعية، يرى علامات الترتيب والإتقان في كل دائرة الطبيعة. فإن أجرام السماوات مثلاً، تظهر لعين الجاهل خليط نجوم لا نظام لها لكنها تظهر لعين الفلكي ذات منهاج سام وترتيب عجيب أي أن لكل الكواكب المنيرة الشاسعة أماكن معينة ومحاور ثابتة على أحسن إتقان. لا يعارض أحدها الآخر، بل يُساق بموجب الأنظمة، التي وضعت بحكمة الباري فالخالق له المجد، رب نظام وقضاء سابق في كل أعمال خليقته. فإذا كان الله يأتي ذلك في أعماله في الطبيعة فبالأولى جداً أن يأتيه في ما هو أسمى منها، أي في العلم الروحي الخاص بنصيب البشر بحيث لا يترك فيه شيئاً للاتفاق لذلك أوضح الكتاب المقدس نظام الله في أعمال النعمة، ولم يقتصر على القول بأنه عز وجل يرى الغاية من البداءة، بل زاد على ذلك بعمل كل شيء حسب رأي مشيئته كما هو مكتوب في أفسس 1: 11.

ولا يخفى أنه إذا كان فداء الإنسان هو بحسب قضاء سابق يحيط بتدبير معين ورسم خاص، وجب أن يهمنا إدراك ذلك إدراكاً صحيحاً بواسطة مطالعة الكتاب المقدس والوقوف على كل تعاليمه في هذا الشأن، والبحث في اختيار البشر في الأمور الروحية، والتوصل إلى شهادة ذلك الاختبار بحقيقة عمل الفداء، كما هو جار في خلاص المؤمنين في كل الأزمنة.

وما من شك في أن الحاجة إلى الخلاص حاجة عامة لدى جميع الناس قال العالِم كويني سمسون لا شيء أسهل من إثبات تهمة الخطية على الجنس البشري. وقال الرسول بولس: «ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ» (رومية 3: 23). وقبله قال داود النبي: «ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (مزمور 14: 3). وقال إشعياء النبي: «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 53: 6).

فإن كان للخلاص هذا الأثر وهذه الخطورة في حياة الإنسان وأبديته، فمن اللازم أن نسأل عن طبيعته ومعناه ومدلوله المحدد والمنضبط وفي كلمة، من الواجب أن نسأل ما هو الخلاص؟ مما ينبغي أن نخلص؟ ومن الواضح تماماً، أن المسيحية هي دين الخلاص، أولاً وأخيراً ومؤسسها وبانيها، لقبه الأول والأشهر «يسوع المسيح مخلّص العالم». وأن الخلاص كما هو واضح من رسالة الإنجيل، هو خلاص الإنسان من الخطية فقد قال ملاك الله عن مريم العذراء: «فَسَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى 1: 21). ووصف يوحنا المعمدان يسوع بالقول: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 1: 29). ويسوع قال عن نفسه: «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لوقا 19: 10). وجاء في الكلمة الرسولية بفم بولس: «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ أَّوَلُهُمْ أَنَا» (1 تيموثاوس 1: 15).

ويعلّم الكتاب المقدس أن خلاص الإنسان يقوم أساساً على الفداء. إذن الخلاص ليس مجرد فلسفة، بل هو حقيقة لا محيض عنها لرفع الخطية وكل نظرية لا تقوم على تصحيح هذا الوضع، تعتبر نظرية باطلة وغير سليمة.

4 - لماذا كان عيسى مسؤولاً عن خطية آدم حسب زعمكم، ومطالباً بالتكفير عنها؟

من المسلم به أن أحداً لا يستطيع خدمة الحقيقة إلا إذا سمى الأشياء بأسمائها الحقيقية. وعلى هذا الأساس أراني ملزماً بأن أذكرك بأن اسم المسيح هو يسوع وليس عيسى هكذا قال ملاك الرب جبرائيل لأمه مريم العذراء: «وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى» (لوقا 1: 31 - 32).

يعلّم الكتاب العزيز أن الله خلق الإنسان على صورته في البر وقداسة الحق. وعاهده عهد الحياة على شرط الطاعة الكاملة لوصاياه. وهاك النص كما ورد في سفر التكوين «فَخَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللّٰهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ... وَأَخَذَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. وَأَوْصَى ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ» (تكوين 1: 27 - 28، 2: 15 - 17).

وعاش آدم ردحاً من الزمن في فردوس الله في حالة من الطهر. متمتعاً بشركة روحية مع الرب الإله. وهذه الشركة الروحية كانت تملأ قلب آدم وفكره بالسعادة.

كان آدم بسيطاً وفي البساطة قرب من قلب الله. وكان وديعاً وفي الوداعة مسحة من روح الله وكان مؤمناً والإيمان هو اليد التي تتناول بركات الله وكان باراً وفي البر قبس من نور الله. ومع ذلك فقد سمح الله بأن يمتحن آدم. وكان موضوع الامتحان، هل يحتفظ آدم بمكانه من الطاعة والولاء لله؟ كان هناك وصية والوصية حداً بين ما يحق لآدم وبين ما يمنعه عليه. وبكلمة أخرى كان قصد الله من السماح بامتحانه أن يتعلم أبو البشر بأن هناك فاصلاً بين الحلال والحرام وأنه لإثم أن يتعدى هذا الفاصل وقد جعل كل هذا بأسلوب رمزي ميسور في ثمر الشجرة الممتنعة على آدم.

وسهولة الامتحان ظهرت في التجربة التي جاءت من الشيطان فهذا الغاوي تقدم من حواء في ناصح تهمه مصلحة الأبوين الأولين. وقد بادر حوار بسؤال بسيط في ظاهره، ولكنه مبطن بالخداع.

«أَحَقّاً قَالَ ٱللّٰهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ؟» (تكوين 3: 1).

وكأن الماكر يقول هل من المعقول أن الله الذي خصكما بكل هذا الحب، وأحاطكما بكل هذه العناية، ووفر لكما كل هذه السعادة يمنعكما من أن تأكلا من كل أشجار الجنة الموهوبة لكما..

أُخذت حواء بالكلام الماكر، الذي صاغ به الشيطان سؤاله. فغشيها شيء من الشك في صلاح وصية الله وفي ظل الشك أجابت:

«مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ نَأْكُلُ، وَأَمَّا ثَمَرُ ٱلشَّجَرَةِ ٱلَّتِي فِي وَسَطِ ٱلْجَنَّةِ فَقَالَ ٱللّٰهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا» (تكوين 3: 2 - 3).

لاحظ كيف أن حواء لما اعتراها الشك، زورت كلام الله بأن زادت عليه كلمة «لا تمساه» وهذه الزيادة أوقعتها في مخالفة فظيعة، وهي تقويل الله ما لم يقله. ولكي يزيدها الشرير شكاً في صلاح الله وحق وصيته أردف قائلاً:

«لَنْ تَمُوتَا! بَلِ ٱللّٰهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَٱللّٰهِ عَارِفَيْنِ ٱلْخَيْرَ وَٱلشَّرَّ» (تكوين 3: 4 و5).

كان لكلام الغاوي لون المنطق المقنع بأن الله لأجل منعها ورجلها من مساواته في المعرفة، قيدهما بتحذير يبدو أنه غير صادق. فاجتاح الشك قلب حواء. ولم تلبث أن استجابت لغواية عدو الخير وللمرة الأولى رأت حواء «أَنَّ ٱلشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ ٱلشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ» (تكوين 3: 6).

وهكذا سقط الأبوان الأولان. سقطت المرأة لأنها شكت في أمانة الله وصلاح وصيته، ولأنها أرادت أن تماثل الله بالمعرفة. ولم تكتف بكسر الوصية الإلهية، بل أشركت رجلها معها، فنقض عهده مع الله، وتعدى حدوده، والخطية هي التعدي (1 يوحنا 3: 4). ولما كانت أجرة الخطية هي موت (رومية 6: 33)، وقع المخالفان تحت قصاص الله، وفقاً لإنذاره تعالى يوم تأكل منها موتاً تموت (تكوين 2: 17). ومعنى الموت هنا ليس انحلال الجسد في القبر، بل هو موت النفس بخلودها في العذاب الأبدي.

سقط آدم فوقع تحت طائلة الدينونة، فقال الله له «مَلْعُونَةٌ ٱلأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِٱلتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ ٱلْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ» (تكوين 3: 17 - 19).

بعد هذا طرده الرب الإله من جنة عدن مع امرأته، فهاما على وجههما يضربان في الأرض بأتعاب وآلام ثم أنجبا نسلاً وكان نسلهما بالطبع مطروداً فاقداً ميراثه بالفردوس وبديهي أن يأتي نسلهما ضعيفاً رازحاً تحت ثقل العصيان الموروث. على أرض لعنت بسبب الإنسان.

في الواقع إنّ الأبوين الأولين لم يصبحا بعد سقوطهما خاطئين وحسب، بل مورثين للخطية أيضاً، كما هو مكتوب: «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ» (رومية 5: 12). وإنه لمن العبث أن يُقال إن خطية آدم لم تنحدر إلينا. وأن كل إنسان يولد بقدرة كاملة على اختيار الخير والشر. إذ لا أثر لخطية أبويه فيه. وأنا لا أدري كيف جاز لأصحاب هذا الرأي أن يجزموا بهذا الأمر هكذا بينما حقيقة كتاب الله تناقضهم، وتسد عليهم الطريق وعملياً ألم يكن آدم نائباً عن الجنس البشري حين تعاهد مع الله عهد الحياة؟ بلى. لأن كل الوعود التي أعطاها الله له، كانت له ولنسله وعندما لفظ الحكم عليه، لعنت الأرض لهم كما لعنت له وكتب لهم أن يأكلوا خبزهم بعرق وجههم كما كتب له وتسلط الموت عليهم، كما تسلط عليه. وأيضاً أوجاع الولادة التي كتبت على حواء قصاصاً ما زالت تعانيها كل بنت من بناتها وقد أدرك الفيلسوف الكبير أبو العلاء المعري هذه الحقائق فقال:

Table 1. 

هذا جناه أبي عليّوما جنيت على أحد    

وكيف يجوز أن نسلم بآثار الوراثة العميقة في الحياة، في شتى وجوهها، ولا نسلم بالميراث الآتي إلى الإنسان من خطية أبويه الأولين؟ إن اختبارات البشر في كل جيل وعصر لتصرح في فزع مستمر مع داود النبي: «هَئَنَذَا بِٱلإِثْمِ صُّوِرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور 51: 5).

قال العالم الانكليزي الشهير هاكسلي: لا أعلم أن هناك دراسة انتهت إلى نتيجة تعسة للنفس كدراسة تطور الإنسانية فمن وراء ظلام التاريخ تبين أن الإنسان خاضع لوضع فيه يسيطر عليه بقوة هائلة إنه فريسة واهنة عمياء لدوافع تقوده إلى الخراب، وضحية لأوهام لا نهائية، جعلت كيانه العقلي هماً ثقيلاً، وأفنت جسده بالغموم والمتاعب ومنذ آلاف السنين لا يزال هو هو، يقاتل ويضطهد ويعود ليبكي ضحاياه، ويبني قبورهم. وهل يحتاج أحد إلى هذه الشهادات الصارخة الآتية عبر التاريخ لكي يلمس هذه الحقيقة؟ ألا يكفي أن ينظر الإنسان إلى أعماق نفسه، ويتحسس ميوله ونزواته ليعلم أن ناموس الخطية ساكن فيه.

يكفي أن نلقي نظرة على المجتمع البشري، لنلمس هذه الحقيقة عند كل إنسان وهي أن الجميع «فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً» (مزمور 14: 1). وقد وصفهم إشعياء النبي بالقول: «أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفِعْلُ ٱلظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ. أَرْجُلُهُمْ إِلَى ٱلشَّرِّ تَجْرِي وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ ٱلدَّمِ ٱلّزَكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ ٱغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. طَرِيقُ ٱلسَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ» (إشعياء 59: 6 - 8). ووصف إرميا النبي القلب البشري بأنه «اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ» (إرميا 17: 9).

في الواقع إنّ وجود الخطية في حياة كل إنسان أمر لا يجهله أحد لأن فساد الطبيعة البشرية ظاهر للحس في عجز الإنسان عن حفظ الناموس الأدبي من تلقاء نفسه، حتى بتوبته الذاتية. فهذه عرضة للفشل، إن كانت لا تلقى معرفة الروح القدس، مما يؤكد خلو النفس البشرية من البر الأصلي الذي كان لآدم قبل السقوط.

يكفي أن نلقي نظرة عابرة على تاريخ الجريمة عبر الأجيال لكي نجد الدليل الحاسم على فقدان الإنسان طبيعة الصلاح وأخذه طبيعة الفساد وأول ما ظهرت طبيعة الفساد الموروثة كان في جريمة القتل الأولى، التي اقترفها قايين بن آدم بحق أخيه هابيل. ولماذا قتله؟ أليس لأنه كان شريراً؟ ولماذا يخاصم أحدنا الآخر، أليس لأن طبيعة الشر متأصلة فينا؟ ولماذا تحارب أمة أمة أخرى، أليس بفعل شر الأفراد حينما يتكتلون؟

أجرة الخطية:

جاء في الكلمة الرسولية أن «أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 6: 23). وجاء في الكلمة النبوية أن «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 20).

فآدم وحواء حين سقطا ماتا الموت الروحي، الذي هو الانفصال عن حياة الله. قال العالم كلونيوس: إن نوع الموت المشار إليه هنا يعرف من نقيضه، أي نوع الحياة التي سقط منها. والواقع أن آدم وحواء، انفصلا عن الله بنتيجة سقوطهما وفقدا الشركة الروحية الجميلة الحلوة المقدسة مع خالقهما المحب. وكذلك في الانفصال عن حياة الله، فقدا ذلك الشوق المقدس للمثول في حضرة الله «عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ ٱلنَّهَارِ، فَٱخْتَبَأَ آدَمُ وَٱمْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ ٱلإِلٰهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ» (تكوين 3: 8). اختبئا لأن أول عواقب السقوط الخجل، وهما قبل كل شيء اجتهدا لستر جسديهما وأن ثانيهما الخوف، وهما هربا واختبئا. هكذا نقرأ في الكتاب العزيز «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ» (إشعياء 59: 2).

رهيب هو هذا الحكم «لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت». ولكن هل ضاع الأمل، هل مات الرجاء بعودة الإنسان إلى فردوسه الضائع، وبرجوع طهارته المفقودة؟ كلا إن الرجاء لم يمت، لأن الله محب كما هو عادل، وبالحب وهب للأبوين الأولين الشفاء وبعث في قلبهما الرجاء. فبينما هما مختبئان نادى الرب الإله آدم، وقال له «أين أنت» (تكوين 3: 9). الاستفهام هنا للتوبيخ، فكأنه تعالى قال يا آدم لماذا هربت مني، بعد أن كنت تسرع إليّ مسروراً بلقائي؟

فأين كنت وإلى أين صرت؟ نعم. هكذا فتشت محبة الله الغنية بالرحمة عن الإنسان، الذي خلقه الله على صورته كشبهه، ودبرت أمر خلاصه فكانت فكرة الفداء.

محبة الله تتدخل:

لما كان الله فائق الكمال في كل صفاته، ومن كمالاته الفائقة العدل والصدق. وبما أن عدله وصدقه لا ينكفئان، حكم على تعدي الإنسان بالموت الأَبدي قصاصاً. ولكن كما أن لله عدلاً وصدقاً لا ينكفئان، له أيضاً محبة لا تنكفئ محبة عجيبة، لا تعرف الحدود في الغفران. وهذه المحبة العجيبة شملت الإنسان بغناها في الرحمة، وفقاً لقوله له المجد: «مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَدَمْتُ لَكِ ٱلرَّحْمَةَ» (إرميا 31: 3). هذه المحبة المتفاضلة جداً، دبرت خلاص الإنسان الضعيف بالفداء ليحيا وفقاً لقوله له المجد «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال 33: 11).

وبكلمة أخرى أن الكتاب المقدس يعلّم بأن الله عادل وفضله الأدبي يحمله على معاقبة كل خطية. فإيفاء المسيح الذي يحصل المغفرة للخطيئة قدم للعدل الإلهي الترضية وغايته الأصلية الجوهرية، ليس التأثير الأدبي في المذنبين أنفسهم. ولا العمل التعليمي في غيرهم من الخلائق العاقلة بلا الإيفاء لما يطلبه العدل. حتى يكون الله عادلاً إذا برّر الخاطئ.

قال المحامي الشهير سيرجنت برنتس في ختام دفاعه عن أحد المتهمين قرأت في كتاب ما أن الله في مشورته الأزلية سأل العدالة والحق هل أخلق الإنسان؟ فأجابت العدالة كلا، لأنه سيدوس جميع شرائعك وسننك ونظمك. وقال الحق لا تخلقه لأنه سيكون قبيحاً وسيسعى دائماً وراء الباطل متكلماً بالكذب. حينئذ قالت المحبة أنا أعلم أن هذا سيكون ولكني مع شر الإنسان وفساده. سأتولى أمره وسأسير به خلال الطرق المظلمة إلى أن آتي به إليك.

أجل يا صديقي إنّ الله في البدء خلق الإنسان على أحسن تقويم ولكن الإنسان لم يثبت في كماله، بل سقط واندفع وراء الباطل ولكن محبة الله تأنت عليه، ولم تشأ أن يهلك. فدبرت له خلاصاً كاملاً شاملاً أبدياً بيسوع المسيح. وقد دعانا سؤالك إلى التأمل في هذا الخلاص الكامل الشامل الأبدي، لنرى حاجة الإنسان إليه بل لنرى ضرورته وحتميته عند الله. ونعرف السبيل إليه، وما هي آثاره في حياة الإنسان الحاضرة والأبدية. لعلنا ندرك نظرة المسيحية الكاملة للفداء.

حين نتلو رواية التكوين التي أوحي بها إلى رجل الله موسى، ونتأمل في ما صنعه الله لستر عري آدم وحواء نلمس الحقيقة بقول الكتاب العزيز: «وَصَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ لآدَمَ وَٱمْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا» (تكوين 3: 21). هذا يدل على أن الحيوانات ذبحت في الفردوس ولم يتحقق نصاً أن الإنسان كان يتخذ لحوم البهائم طعاماً. إلا بعد الطوفان ولم يكن طعامه قبلاً سوى البقول والأثمار وسائر الأطعمة النباتية. ولم يكن بكر من ذبيحة، قبل أن تدخل الخطية الأرض فإن كانت تلك الجلود من جلود البهائم، ثبت أن الله علم آدم على أثر سقوطه في الخطية أن لا مغفرة بدون سفك دم وبهذا رسم عهد الذبائح الكفّارية، التي مورست في ما بعد في العهد القديم، وكانت رمزاً إلى حمل الله يسوع، الذي بذبيحة نفسه يرفع خطية العالم.

وإننا لنعلم من الكتاب المقدس أن ذبيحة الدم التي قدمها هابيل، لم تكن إلا ظلاً للفداء العتيد، وعملاً يتفق مع فكر الله بل أنها من وحيه وإلهامه (تكوين 4: 4). وكذلك الكبش الذي أعطاه الله لإبراهيم ليفدي به ابنه اسحق، لم يكن إلا رمزاً للفداء العظيم الذي أعده الله منذ الأزل بذبيحة المسيح العتيدة (تكوين 22: 1 - 14). وأيضاً خروف الفصح الذي أمر الله موسى وشعبه أن يقدموه في مصر، لم يكن إلا رمزاً بارزاً لفصح عهد النعمة الجديد، الذي فيه ذُبح يسوع المسيح (تكوين 12: 1 - 42) بدليل قول رسول الأمم بولس «لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا» (1 كورنثوس 5: 7).

وإذا راجعنا التاريخ نرى أن أتقياء العهد القديم، عاشوا آلاف السنين في ظل الناموس، الذي أعطي لموسى وهذا الناموس أتاح لهم التكفير عن خطاياهم، بواسطة قرابين من الذبائح الحيوانية وثمار الأرض. إلا أن أحكامه الصارمة كانت توقع العقوبات على كل متعد.

حين خرج نوح من الفلك، نهاه الله عن أكل الدم (تكوين 9: 4). وسبب هذا النهي ظاهر من آية ناموس موسى، بها تتبين طريقة القرابين الدموية والقصد منها. وهي «وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلنَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَأْكُلُ دَماً، أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ ٱلنَّفْسِ ٱلآكِلَةِ ٱلدَّمَ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شَعْبِهَا، لأَنَّ نَفْسَ ٱلْجَسَدِ هِيَ فِي ٱلدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ ٱلدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ ٱلنَّفْسِ» (لاويين 17: 10 - 11).

فقصد الكتاب المقدس من الذبيحة هو تقديم نفس لله عن نفس أخرى مدنسة بالخطايا، كتقديم حياة حيوان بريء عن حياة الإنسان المذنب الذي يقدمه. وهذا ظاهر من قول الله لأليفاز التيماني: «قَدِ ٱحْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ ٱلصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. وَٱلآنَ فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَٱذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ» (أيوب 42: 7 - 8).

والذبائح التي يأمر بها ناموس موسى على أنواع مختلفة غير أنها كلها لا تخلو من التكفير بالدم، الذي هو المقصود من وضعها بدليل قول الرسول: «وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيباً يَتَطَهَّرُ حَسَبَ ٱلنَّامُوسِ بِٱلدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ» (عبرانيين 9: 22). وقد قال ذلك في شرح الرمز العملي في سفر الخروج حيث يقول: «فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ ٱلرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي ٱلصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحاً فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ، وَٱثْنَيْ عَشَرَ عَمُوداً لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ ٱلٱثْنَيْ عَشَرَ. وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ ٱلثِّيرَانِ. فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ ٱلدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي ٱلطُّسُوسِ. وَنِصْفَ ٱلدَّمِ رَشَّهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ. وَأَخَذَ كِتَابَ ٱلْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ. فَقَالُوا: كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ. وَأَخَذَ مُوسَى ٱلدَّمَ وَرَشَّ عَلَى ٱلشَّعْبِ وَقَالَ: هُوَذَا دَمُ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعَهُ ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالِ» (خروج 24: 4 - 8).

وحين نتأمل في تاريخ الذبيحة عبر كتاب الله، يتضح لنا أن كل الذبائح ترمز إلى المسيح ويلزم عن كون الكهنة الأولين رمزاً إلى ذبيحته عن خطايا العالم. بدليل قول الرسول «لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِهٰذَا أَيْضاً شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ» (عبرانيين 8: 3). وقال أيضاً عن الكهنة اللاويين «وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراً كَثِيرَةً تِلْكَ ٱلذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، ٱلَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ ٱلْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ ٱلْخَطِيَّةَ» (عبرانيين 10: 11). أي أن تلك الذبائح، لا تستطيع ملاشاتها من العالم، وذلك لأن ذبائحهم كانت فقط رمزاً إلى الكفّارة العتيدة بذبيحة المسيح فيجب إذ ذاك مداومتها إلى حين ظهور المرموز إليه المنتظر. وأما ذبيحة المسيح، فلا يلزم أن تعاد. لأنها دمه، وبها نال لنا الفداء الأبدي بدليل قول الرسول: «وَأَمَّا ٱلْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ ٱلْعَتِيدَةِ، فَبِٱلْمَسْكَنِ ٱلأَعْظَمِ وَٱلأَكْمَلِ، غَيْرِ ٱلْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ ٱلَّذِي لَيْسَ مِنْ هٰذِهِ ٱلْخَلِيقَةِ. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى ٱلأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى ٱلْمُنَجَّسِينَ يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ ٱلْجَسَدِ، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ! لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ ٱلآنَ أَمَامَ وَجْهِ ٱللّٰهِ لأَجْلِنَا. وَلاَ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَاراً كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ إِلَى ٱلأَقْدَاسِ كُلَّ سَنَةٍ بِدَمِ آخَرَ. فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَاراً كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلٰكِنَّهُ ٱلآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ ٱنْقِضَاءِ ٱلدُّهُورِ لِيُبْطِلَ ٱلْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ» (عبرانيين 9: 11 - 14 و24 - 26).

وهذه الحقيقة ظاهرة في الإنجيل فقد قال يوحنا المعمدان حين رأى يسوع: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 1: 29). مشيراً بذلك إلى ذبيحة الكفّارة التي بها يكفر المسيح عن خطايانا أمام الرب ويرفعها عنا هكذا قال الرسول يوحنا «وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً» (1 يوحنا 2: 2).

ولئلا يتوهم أحد أن يسوع مات موت شهيد، فقد دفع هو نفسه ذلك الوهم بقوله له المجد: «أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى 20: 28).

هذه الحقيقة أعلنها الله لإشعياء النبي فقال قبل تجسد المسيح بعدة قرون: «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَاّزِيهَا» (إشعياء 53: 5 - 7).

وأقوال رسول الأمم بولس في هذا الصدد كثيرة لا يتسع مجال هذه الرسالة لذكرها كلها. منها قوله:

«ٱلَّذِي فِيهِ لَنَا ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا» (أفسس 1: 7). ومعنى هذا أنه ليس بتعاليمه وقدوته ننال الفداء والغفران بل بدمه.

«اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ. لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِٱلإِيمَانِ مَوْعِدَ ٱلرُّوحِ» (غلاطية 3: 13 - 14). ومعنى هذا أن المسيح بموته على خشبة الصليب اعتبر في نظر الناموس حاملاً اللعنة نيابة عن الإنسان الذي لم يثبت في ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به (غلاطية 3: 10).

«لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (2 كورنثوس 5: 21).

ولا يمكن أن يعبر بعد بأفصح من هذه الآيات، التي تفيد أن المسيح خلصنا من عقاب الناموس باحتماله ذلك العقاب عندما علق على خشبة الصليب ومات عليها. وهذا الموت هو فدية عنا، وتكفير عن خطايانا، إذ به خلصنا من لعنة الناموس. فهذا هو المقصود من ذبيحة الكفّارة.

ولكي يبين الرسول المغبوط بأكثر إيضاح أن فاعلية موت المسيح ليست مجرد فعله في قلوب البشر فعلاً أدبياً في إخضاعها له، وجعلها قلوباً لينة وطيعة، عوضاً عن قساوتها وتكبرها. قال: «ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللّٰهُ كَفَّارَةً بِٱلإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللّٰهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي ٱلّزَمَانِ ٱلْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلإِيمَانِ بِيَسُوعَ» (رومية 3: 25 - 26).

فكل كلمة من هذه الآية، تستدعي إمعان النظر، إذ تعلمنا:

  1. أنّ الله قدم يسوع المسيح ذبيحة كفّارة للجميع.

  2. أنّ هذه الكفّارة، ينالها كل فرد من أفراد البشر بإيمانه الشخصي فقط، فهي تضع أساساً للجميع للتبرير، إذا آمنوا بالمسيح يسوع.

  3. أنّ الله يظهر برّه بذبيحة الكفّارة. فإظهار الرحمة للخطاة والبر المشار إليه هنا من الصفات الحُسنى الخاصة بالله، وليس هو بمعنى التبرير الذي يهبه الله للمؤمن، كما يظهر من القرينة، وهي «لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلإِيمَانِ بِيَسُوعَ» فإن هذه العبارة تنفي احتمال ذلك المعنى وتثبت إرادة العدل بالبر للزومه عند اعتباره إله الناموس وديان العالم.

  4. أنّ ذبيحة الكفّارة ضرورية لإظهار رحمة الله، مع عدم مخالفة مقتضيات عدله فلو أظهر الله رحمته للخطاة بلا ذبيحة الكفّارة، لم يكن باراً، بدليل قول الرسول أن الله قدّم يسوع كفّارة ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع ولم تكن ضرورية لجعل الله رحيماً بتغيير طبيعته لأنه لا يتغير بل هو هو، أمس واليوم وإلى الأبد. وما استفدناه من شهادته تعالى، التي هي أساس الكتاب المقدس. هو أن المسيح قدم نفسه للآب، ليحمل لعنة الناموس الإلهي عن الخطاة وهو لابس طبيعة البشر، وأن الله قبل تقدمه حاسباً إياها كفؤاً لعدله. فيغفر لجميع الذين يؤمنون بيسوع المسيح بدون أن يشين جلاله الأقدس أو يثلم ناموسه الأدبي بشيء.

أنواع الذبائح

إن التأمل في كفّارة المسيح يستلزمنا استعراض أنواع الذبائح التي كانت تقدم في العهد القديم، وفقاً للناموس الإلهي الذي أعطي بموسى وهي:

  1. ذبيحة الخطية (لاويين 9) وهي للتكفير عن الشعب والإتيان به إلى حالة الغفران ونوال النعمة.

  2. ذبيحة الإثم (لاويين 5) وهي خاصة بالذنوب التي يمكن التعويض عنها.

  3. ذبيحة المحرقة (لاويين 1) وهي ذبيحة تمثل الكمال وهي تشير إلى من خصص نفسه لله تخصيصاً كاملاً.

  4. ذبيحة السلامة (لاويين 7: 11 - 16) وهي تشير إلى رد ما لله من شكر.

  5. ذبيحة الفصح (خروج 12) وقد أمر الرب موسى وهرون والشعب أن يرشوا بدمها على عتبة الباب العليا والقائمتين.

  6. ذبيحة البقرة الحمراء (العدد 19) وهي التي كان رمادها يستعمل للتطهير من النجاسات.

  7. ذبيحة الأبرص (لاويين 14) وهي الذبيحة التي تتعلق بتطهير الأبرص.

  8. ذبيحة العجلة (تثنية 21: 3) وهي التي كانت تقدم عندما يقتل قتيل ويجهل قاتله.

  9. ذبيحة كبش التكريس (لاويين 8) وهي التي كانت تقدم عند تكريس أحد اللاويين كاهناً.

واعلم أن هذه الذبائح جميعها كانت مشروطة بخلوها من العيوب. بناء على أنه يحط من قدر الله في أعين الشعب (1 ملوك 8: 13 - 14) وبنوع خاص، لأن الذبيحة الخالية من العيب موافقة دون غيرها لأن تكون رمزاً إلى حمل الله يسوع الذي قدم على خشبة الصليب كفّارة لخطايا العالم والذي هو «بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ» (1 بطرس 1: 19).

رش دم الذبيحة

إن رش دم الذبيحة في العهد القديم، كان أشرف الطقوس، لكونه إشارة إلى التكفير واختص بالكاهن الذي عين وسيطاً بين الله والشعب أما نضح الدم سبع مرات بعد إدخاله إلى خيمة الاجتماع (لاويين 8 و14) فكان إشارة إلى كمال التكفير لأن الرقم 7 يدل على الكمال، ومن ذلك قول العهد الجديد عن المؤمنين، أنهم تطهروا من الخطية بسفك دم المسيح العظيم المرموز إليه (عبرانيين 9، 1 بطرس 1).

ذبيحة المسيح الحقيقية المرموز إليها:

لمس رجال الله قديماً ضعف الإنسان وعجز ناموس موسى عن شفائه من الخطيئة، ففتشوا عن وسيلة غير الذبائح والمحرقات التي قال الرسول أنها «مِنْ جِهَةِ ٱلضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ ٱلَّذِي يَخْدِمُ» (عبرانيين 9: 9). والتي لا يمكنها أن تحقق مسرة القدير، فقد جاء في سفر المزامير: «لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى» (مزمور 51: 16) وجاء في سفر إشعياء: «لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟ يَقُولُ ٱلرَّبُّ: ٱتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هَذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِيَارِي؟ لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. ٱلْبَخُورُ هُوَ مَكْرُهَةٌ لِي» (إشعياء 1: 11 - 13).

ولكن في غمرة هذا الضلال، أشرقت شمس محبة الله. فأعلن لرجاله الأمناء أنه أعد ذبيحة حاسمة للخلاص بوسيط صلح إلهي، يأتي عند ملء الزمان، ويكمل بقربان نفسه إلى الأبد الذين يؤمنون باسمه (عبرانيين 10: 14). فإذا بأيوب الذي حلت به التجارب والمحن بأقسى ضروبها، يرى حاجته الماسة إلى تدخل هذا الوسيط بينه وبين الله. فيقول «لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا! لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ» (أيوب 9: 33 - 34) وها هو إشعياء النبي يراه يعين النبوة، فيسهب في شرح عمله الفدائي، إذ يقول: «مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِّزَاءِ وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ» (إشعياء 53: 8 - 12).

وشاول الطرسوسي الفريسي الناموسي، بعد أن أعيته المحاولات لإدراك البر الذي في الناموس، راح يفتش عن هذا الوسيط، الذي تكلم عنه الأنبياء، وينشد عنده الإنقاذ من جسد الخطية والموت، إلى أن أدركه يسوع المسيح على طريق دمشق فعرف فيه وسيط الصلح الإلهي، الذي تجسد ليخلص الخطاة بموته الكفّاري على الصليب. ولم يعتم أن أوحي إليه ليكتب لنا الخبر السار القائل: «وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلّزَمَانِ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّيَ» (غلاطية 4: 4 - 5).

في الواقع إن تجسد الكلمة هو محور الكتابة المقدسة لأن أساس الفداء الإلهي، وهو شرط ضروري للمسيح لإتمام وظيفته كفادي. ولهذا كان التجسد موضوعاً لسلسلة من الإعلانات الإلهية عبر الأسفار المقدسة الموحى بها من الله وهذه الإعلانات بدأت بإشارات إلى منقذ يأتي عند ملء الزمان. ليخلص البشر من لعنة الناموس. ويكون بركة عظيمة لجميع الشعوب ثم أخذت الإعلانات توضح أكثر فأكثر كل ما يختص به ابتدأت بذكر نسل المرأة، ثم ذكر نسل إبراهيم ثم سبط يهوذا، ثم بيت داود ثم ولادته من عذراء وجاء في الإعلانات، أنه يكون صاحب صفات إلهية، وأنه يفتدي لنفسه شعباً مختاراً، يكون هو رئيساً لهم وملكاً (إشعياء 9: 6).

والعجيب في الأمر، هو أن الإعلانات ذكرت ظروفاً غريبة ودقيقة خاصة به، لا يمكن نسبتها لحذاقة البشر. منها تعيين مكان ولادته بالضبط. فقد جاء في سفر ميخا النبي «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا 5: 2). وأنه يكون فقيراً ذليلاً وممجداً معاً: «وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلرَّبِّ، رُوحُ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ، رُوحُ ٱلْمَشُورَةِ وَٱلْقُّوَةِ، رُوحُ ٱلْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ ٱلرَّبِّ» (إشعياء 11: 1 - 2). وأنه ملك ولكن بدون مجد خارجي، إذ يدخل عاصمته المقدسة راكباً على جحش بدون أبهة الملوك فقد جاء في سفر زكريا النبي: «اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ» (زكريا 9: 9). وأنه يكون كاهنا. فقد جاء في سفر المزامير: «أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلأَبَدِ» (مزمور 110: 4). وهذا يعني أن عمل المسيح الكفّاري هو عمل كهنوتي ترتبت عليه القضايا التالية:

  1. إن كونه كاهناً جعله نائباً عن الخطاة أقامه الله مقامهم، ليعمل عنهم ما لا يستطيعون أن يعملوه لأنفسهم فإذ لم يكن لهم وصول إلى الله بسبب إثمهم ونجاستهم. اقتضى الحب الإلهي إقامة شخص بسلطان إلهي. ليظهر عنهم أمام الله لأجل مصالحته تعالى معهم.

  2. إن هذه المصالحة لا تتم إلا بواسطة كفّارة عن الخطية، لأنه مكتوب: «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عبرانيين 9: 22).

  3. إن هذه الكفّارة تتم بإقامة ذبيحة مقام الخاطي لتحتمل عنه الموت أجرة للخطية.

  4. إن الكهنة في العهد القديم خدموا على هذه الطريقة التي عينها الله، والتي بها كان المذنب ينال مغفرة خطاياه الطقسية. إلا أن الخطية كما تقدم لم تتلاش فرب مذنب يعود إلى الوقوع في الخطية ثانية بعد التكفير. ويكون عليه أن يقدم ذبيحة أخرى.

  5. فبناء عليه كان كهنوت العهد القديم، المسمى بالكهنوت الهاروني وذبائحه من الأمور الزمنية، فلم تكن إلا رموزاً وظلاً للكاهن الحقيقي والذبيحة الحقيقية الموعود بها منذ البدء.

  6. إن المسيح كاهن حقيقي. لأن فيه كل الصفات اللازمة للكهنوت. فلكونه اتخذ جسد الإنسان، صار نائباً عن الجنس البشري. وبالتالي قدم ذبيحة، وكان قادراً على أن يرثي لشعبه. وقد قام فعلاً بكل ما يستلزمه الكهنوت، وعلى مثال فائق.

  7. إن الذبيحة التي قدمها يسوع رئيس كهنتنا العظيم، لم تكن دم بهائم، بل دم نفسه الكريم.

  8. إنها الذبيحة الواحدة، التي أكملت إلى الأبد المقدسين (عبرانيين 10: 14).

  9. إن ذبيحة المسيح أبطلت كل الذبائح في ما بعد فلم تبق حاجة إليها.

يتبين مما تقدم أنّ كفّارة المسيح، ليست أمراً مزعوماً، كما طاب لك أن تقول، وإنما هي حقيقة أساسها المشورة الإلهية تجاوباً مع حب الله للإنسان. ولعلك بعد هذا الشرح المسهب تسأل: ولكن ماذا حمل المسيح على التجسد والقيام بعمل الفداء؟

الجواب: إن تجسد الأقنوم الثاني لله وموته لفداء الجنس البشري، لم يكن حادثة اضطرارية، وإنما هو اتساع اختياري، بدليل قول المسيح: «لِهٰذَا يُحِبُّنِي ٱلآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» (يوحنا 10: 17 - 18). بمعنى أن المسيح لم يكن مجبراً على بذل نفسه، وإنما قدمها تطوعاً، لكي يرفع خطية العالم.

وفي كلمة أخرى، أن الله بدافع من حبه العجيب للبشر قضى بالفداء. فبذل ابنه الوحيد، الذي أتى إلى العالم فصارت الكلمة المكتوبة: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلأَوْلاَدُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَوْفاً مِنَ ٱلْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ» (عبرانيين 2: 14 - 15).

ويعلمنا الكتاب المقدس، أن المسيح أخذ الجسد طوعاً ليكون وسيط صلح، بين الله والناس، بدليل قول الوحي: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (2 كورنثوس 5: 19). ويخبرنا الكتاب العزيز صريحاً أن وسيط الصلح بين الله والناس، يجب أن يتميز بالصفات التالية.

  1. أن يكون إنساناً بدليل قول الكتاب: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يوحنا 1: 14). وسبب اتخاذ الكلمة طبيعة البشر لا طبيعة الملائكة، هو أنه أتى لفدائنا فكان ضرورياً أن يولد تحت الناموس، الذي خالفناه، لكي يكمل كل بر وأن يشترك في حياتنا البشرية لكي يختبر ضعفاتنا. وأن يتألم ويموت ذبيحة لكي يكفر عن خطايانا.

  2. أن يكون بدون خطية، فإن الذبيحة التي كانت تقدم للتكفير، كان يجب حسب الناموس أن تكون بلا عيب فالوسيط الذي يقدم نفسه لفداء العالم، يجب أن يكون هو نفسه بلا خطية لأنه من المستحيل أن يكون المخلّص من الخطية خاطئاً، لأن الخاطي لا يقدر أن يصل إلى الله، ولا يليق بأن يكون ذبيحة عن الخطايا، ولا مصدراً للقداسة والحياة الأبدية لشعبه. ولذلك وجب أن يكون رئيس كهنتنا الفادي العظيم «قُدُّوساً بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ ٱنْفَصَلَ عَنِ ٱلْخُطَاةِ» (عبرانيين 7: 26). ومعلوم أن المسيح كان بلا خطية، كما تشهد بذلك الكلمة الرسولية «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. ٱلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (1 بطرس 2: 21 - 22).

  3. إن يكون إلهاً، لأنه لا يقدر دم إنسان أن يبطل الخطية فالمسيح في حال كونه إلهاً أكمل بذبيحة نفسه المقدسين إلى الأبد (عبرانيين 9: 26). وكذلك لا يستطيع إلا شخص إلهي أن يبيد سلطان إبليس وينقذ الذين قد سباهم ولا يستطيع إتمام العمل الفدائي العظيم. إلا من هو قادر على كل شيء. وله حكمة ومعرفة غير محدودتين، ليكون رئيس كهنة عظيم ودياناً للجميع. ولا يقدر أن يكون مصدر الحياة الروحية لجميع المقدسين، إلا من حل فيه كل ملء اللاهوت (كولوسي 2: 9).

فجميع هذه الصفات التي قال الكتاب بضرورتها لتأهيل الوسيط للوساطة بين الله والناس. قد اجتمعت في يسوع المسيح. ونتج من ثبوت تلك الصفات أن وساطة يسوع المسيح التي تشمل كل ما فعل وما زال يفعل لخلاص البشر، هي عمل شخصي إلهي فجميع أعمال المسيح وآلامه في إجراء وساطته، كانت أعمال وآلام شخص إلهي فالذي صلب هو رب المجد. وهذه الحقيقة تتضح في ما يلي:

  1. إن الكتاب المقدس ينسب كفاية عمله وسلطانه وصدق كلامه وحكمته وقيمة آلامه، إلى كونه «ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (1 تيموثاوس 3: 16).

  2. لأنه لو كان وسيطنا إنساناً فقط لعجز عن فداء الساقطين وعندئذ لا يبقى بعد للإنجيل مجد ولا قدرة ولا كفاية.

  3. إن فداء البشر الساقطين لا يقدر عليه إلا من هو إله وإنسان معاً، فوظيفة المسيح النبوية تستلزم أن يكون له جميع كنوز الحكمة والعلم. ووظيفته الكهنوتية تستلزم أن يكون له شرف ابن الله. ليجعل عمله نافعاً. ولا يقدر سوى شخص إلهي، أن يستعمل الساطان الذي دفع إلى المسيح في السماء وعلى الأرض أن ينقذنا من عبودية الخطية وموت الخطية، أو يقيم الأموات، أو يهب الحياة الأبدية. والحق أننا نحتاج إلى مخلّص «قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ ٱنْفَصَلَ عَنِ ٱلْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ» (عبرانيين 7: 26).

5 - أكان الأنبياء الذين سبقوا مجيء المسيح يؤمنون بألوهيته؟ (الجواب بنعم يحتاج إلى إثبات).

نعم، كان الأنبياء الذين سبقوا مجيء المسيح يؤمنون بألوهيته. وهذا ثابت في شهادتهم المدونة في أسفارهم الموحى بها من الله:

(1) داود

  1. المزمور الثاني إذ يقول للملوك وقضاة الأرض: «فَٱلآنَ يَا أَيُّهَا ٱلْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ ٱلأَرْضِ. ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ بِخَوْفٍ وَٱهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا ٱلٱبْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ ٱلطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ ٱلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ» (مزمور 2: 10 - 12). فداود هنا لم يوص بالتعبد له فقط، بل أيضاً طوب جميع المتكلين عليه، علماً بأن الكتاب المقدس صرح باللعنة على كل من يتكل على الإنسان.

  2. المزمور 110، إذ يقول: «قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ» (مزمور 110: 1). وقد استشهد المسيح نفسه بهذه العبارات في حواره مع رجال الدين اليهود، إذ سألهم قائلاً: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي ٱلْمَسِيحِ؟ ٱبْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ٱبْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِٱلرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ٱبْنَهُ؟» (متّى 22: 43 - 45).

(2) إشعياء

  1. إذ يقول «فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ ٱلرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْداً» (إشعياء 4: 2). والغصن في لغة الكتاب المقدس يشير إلى المسيح. وقد كان عند الأنبياء اصطلاح على تلقيب المسيح بالغصن. بدليل قول إرميا النبي: «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي ٱلأَرْضِ» (إرميا 23: 5). وقول زكريا النبي: «هُوَذَا ٱلرَّجُلُ «ٱلْغُصْنُ» ٱسْمُهُ. وَمِنْ مَكَانِهِ يَنْبُتُ وَيَبْنِي هَيْكَلَ ٱلرَّبِّ» (زكريا 6: 12).

  2. إذ يقول: «فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُّزِيَّا ٱلْمَلِكِ رَأَيْتُ ٱلسَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ ٱلْهَيْكَلَ. ٱلسَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَٱثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ ٱلأَرْضِ» (إشعياء 6: 1 - 3). وكلام النبي هنا كان عن يسوع المسيح بدليل قول الإنجيل: «قَالَ إِشَعْيَاءُ هٰذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ» (يوحنا 12: 41).

  3. «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ» (إشعياء 9: 6).

(3) إرميا

إذ يقول: «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي ٱلأَرْضِ... وَهٰذَا هُوَ ٱسْمُهُ ٱلَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: ٱلرَّبُّ بِرُّنَا» (وفي العبرية «يهوه برنا») (إرميا 23: 5 - 6).

(4) دانيال

  1. إذ يقول: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى ٱللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَدِيمِ ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ» (دانيال 7: 13 - 14).

  2. إذ يقول: «سَبْعُونَ أُسْبُوعاً قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ ٱلْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ ٱلْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ ٱلْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ ٱلإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِٱلْبِرِّ ٱلأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ ٱلرُّؤْيَا وَٱلنُّبُّوَةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ ٱلْقُدُّوسِينَ. فَٱعْلَمْ وَٱفْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ ٱلأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَى ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَٱثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ ٱلأَزْمِنَةِ. وَبَعْدَ ٱثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ ٱلْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلْقُدْسَ، وَٱنْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى ٱلنِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا. وَيُثَبِّتُ عَهْداً مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ ٱلأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ ٱلذَّبِيحَةَ وَٱلتَّقْدِمَةَ» (دانيال 9: 24 - 27).

هذه نبوات عن مجيء المسيح والأعمال الإلهية التي يقوم بها ففي شهادة دانيال الأولى سماه باسم ابن الإنسان وفي الثانية سماه قدوس القدوسين، وهما من ألقاب المسيح التي أطلقها على نفسه (متّى 20: 28 ورؤيا 3: 7).

(5) ميخا

إذ يقول: «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا 5: 2).

فهنا نبوة عن تجسد الرب يسوع وولادته في بيت لحم وشهادة بأزليته. ومخارجه تعني ظهورات الأقنوم الثاني منذ القديم كظهوره في ملاك العهد لإبراهيم (تكوين 18) ولموسى (خروج 3) وليشوع (يشوع 13) ولجدعون (قضاة 6) ولمنوح (قضاة 13) فالمسيح أزلي بأزلية الله (انظر يوحنا 1: 1 - 2).

(6) ملاخي

إذ يقول: «هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ ٱلطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ ٱلسَّيِّدُ ٱلَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَمَلاَكُ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ، وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟» (ملاخي 3: 1 - 2).

هذه الآيات المجيدة نبوءة بمجيء يوحنا المعمدان سابق المسيح، ليهيء الطريق قدامه. وهو الذي كرز وقال للشعب، توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات. وملاك العهد هو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس وقد سمى بملاك العهد. لأن المواعيد الإلهية للشعب قد تمت فيه. وهو وسيط العهد الجديد أيضاً (عبرانيين 9: 15).

يتبين مما تقدم أن أنبياء العهد القديم كانوا يؤمنون بلاهوت المسيح، وأن أسفارهم تصرح بمجيء شخص إلهي، لابساً طبيعة البشر، ليخلص العالم. وأن ذلك الشخص يكون من نسل المرأة، ومن ذرية إبراهيم، ومن سبط يهوذا، ومن بيت داود. مولوداً من عذراء. وأنه يجعل نفسه تقدمة ليرفع خطية العالم ولنا دليل قاطع على أن ملاك العهد هو الأقنوم الثاني لله، وقد لقب في العهد القديم بملاك يهوه، وإلوهيم، والله، هو المسيح المذكور في العهد الجديد، والذي أتى بعد يوحنا المعمدان. وقد تنبأ عنه إشعياء النبي قائلاً: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. قَّوِمُوا فِي ٱلْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا... فَيُعْلَنُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ» (إشعياء 40: 3 - 5).

وإذا نظرنا إلى العهد الجديد، نرى أن الذي يعد الطريق هو يوحنا المعمدان، وأن الآتي الذي عبر عنه إشعياء بلفظة إلهنا هو المسيح. وأن السيد الرب الذي يأتي إلى هيكله هو المسيح (متى 11: 10، مرقس 1: 2، لوقا 1: 76 و7: 27).

6 - أما كان الله قادراً على خلاص آدم وذريته بغير صلب المسيح؟

هذا السؤال يعود بنا إلى موضوع الكفّارة. لأن لا خلاص بدون كفّارة عن الخطايا السالفة. والمعلوم أن كلمة كفّارة، تعني الستر أو التغطية، وهي في المسيحية عمل المسيح بطاعته الكاملة، لأجل خلاص البشر من لعنة الناموس ومصالحتهم مع الله بدمه، الذي أريق على الصليب.

ويصح أن ننظر إلى كفاءة المسيح من أوجه متعددة. باعتبار نسبتها إلى الله من جهة محبته وقداسته وعدله، وباعتبار نسبتها إلى الإنسان من جهة فعلها فيه ولأجله. لذلك قيل أن كفّارة المسيح تكفير عن خطية الإنسان، وأنها تعبير واضح عن فعل ذبيحة المسيح في خلاص الخطاة من لعنة الناموس ورفع الدينونة عنهم. وقيل أيضاً أن كفّارة المسيح ترضية لله وإيفاء لعدله. أي واسطة لإرضائه واستعطافه. وهذا تعبير عن مفعول ذبيحة المسيح في إزالة غضب الله، وعن رضاه بقبول الخاطي للمصالحة. وقيل أن الكفّارة هي ستر النفس المذنبة بدم المسيح حتى لا يطالب المذنب بالقصاص. لان القصاص رفع عنه بوضعه على المسيح، الذي ذُبح لأجلنا. وهذا ما أشار إليه الرسول يوحنا بقوله: «فِي هٰذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا» (1 يوحنا 4: 10). وقيل أن الكفّارة فتحت باب المصالحة بين الله والإنسان، بدون إهانة ناموس الله المقدس. وهذا ما عناه بولس بقوله: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ» (2 كورنثوس 5: 19).

ويعبر عن فداء يسوع في لغة الكتاب المقدس بكلمة «نعمة» لأن الآب السماوي لم يكن مضطراً، لأن يقدم ذبيحة عن البشر الخطاة. وكذلك الابن لم يكن مجبراً لأن يتجسد ويأخذ الفداء على عاتقه. وإنما اللاهوت الكامل، لأجل محبته الكثيرة وغناه في الرحمة، أوقف عقاب الناموس، وقبل الآلام النيابية، التي تجرعها الابن المتجسد باختياره، عوضاً عن الخاطئ.

وقد أعلن الرب يسوع هذه الحقيقة، حين قال: «وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ ٱلْخِرَافِ... لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا 10: 15 و15: 13).

فبهذه العبارات عبر له المجد عن السبب الذي لأجله ارتضى وهو القدوس الحق، أن يأخذ جسداً، ويتألم ويحمل خطايانا في جسده على الصليب.

وقد أوضح الرسول بولس لزوم الآلام النيابية في رسالته إلى الرومانيين إذ قال: «لأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِٱلْجَسَدِ، فَٱللّٰهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ ٱلنَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية 8: 3 - 4). أي أن الموت الأبدي، الذي كان سيقع علينا ونفذ فينا أجرة للخطية، أخذه يسوع عنا بالنيابة، وفقاً للقول النبوي «تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء 53: 5).

نسمع كثيرين يقولون أن الله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. ولكن هذا لا يتفق مع صدق الله في وعيده وعدله في أحكامه التي تحتم ذبيحة كفّارة للغفران. وقد عرف هذا الوجوب منذ البدء. إذ يتراءى لنا خيط قرمزي يخترق صفحات الكتاب المقدس، وهو يقطر دماً ويصرخ في كل جيل قائلاً بدون سفك دم لا تحصل مغفرة».

في الحقيقة أن الله لكونه كاملاً في كل صفاته، لا يصح لمشيئته أن تغفر للإنسان ذنوبه على حساب حقه وعدله، الذي قال: «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 20). وإذا غفر الله لنفس خاطئة، وجب أن يكون هناك سبب للغفران، سبب يكون فيه ترضية لكمال الله في العدل. وهذه الترضية كما تقدم كانت تتم في العهد القديم بالذبائح الدموية، التي ترمز إلى المسيح أما في العهد الجديد فبذبيحة المسيح الذي أكمل كل بر.

ومن خصائص ذبيحة المسيح أنها ليست فقط ترفع الخطية عن الإنسان، بل هي أيضاً تشفيه من الخطيئة كمرض أدبي.

لأن من يقبل المسيح المصلوب تتجدد حياته، ويصير يرى فعل الخطيئة الرهيب وعقوبتها المخيفة، فلا يقدم عليها ومن هنا انطلقت كلمة الرسول: «كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ ٱللّٰهِ» (1 يوحنا 3: 9).

7 - التوراة لا تثبت ألوهية المسيح فهل كان موسى عالماً بها وأخفاها عن قومه أم كان جاهلاً بها؟

لم يكن موسى جاهلاً وجود الأقانيم الثلاثة في وحدانية الله. ولم يخف ذلك، بل صرح به في عدة أماكن من الأسفار الخمسة التي أوحي إليه بها والتي أطلق عليها اسم التوراة منها:

إن أول آية كتبها موسى في سجلات الوحي هي القول: «فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ (إلوهيم) ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ» (تكوين 1: 1). وكلمة إلوهيم كما جاءت في لغة التوراة وردت في صيغة الجمع. مما يدل على أن وحدانية الله جامعة.

وكتب موسى أيضاً: «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية 6: 4). ولفظة إلهنا في هذه الآية وردت في صيغة الجمع، مع العلم أن القصد منها بيان الوحدانية.

ومما يلفت الانتباه في هذا المقام هو أن الله استعمل ضمير الجمع لنفسه في آيات عديدة دوّنها لنا موسى في أسفاره منها قوله تعالى:

«نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين 1: 26). وليس المقصود بقوله «عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» الصورة الجسدية بل الصورة العقلية الروحية.

«هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا» (تكوين 3: 22).

«هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ» (تكوين 11: 7).

فهذه الآيات تدل على أن الله واحد في الذات مثلث الأقانيم. ولعله من الأفضل قبل أن ندرس هذه العقيدة، أو نبحثها البحث الكتابي المجرد، أن نلم في شيء من الإفصاح بتاريخها في كنيسة المسيح، والأفكار التي تناولتها، حتى انتهت إلى وضعها النهائي الدائم غير المتغير.

كان المسيحيون في أيام الرسل، وحتى هلة القرن الميلادي الثاني، لا يفكرون في وضع صيغ معينة للعقائد المسيحية، إذ كانوا يمارسون مبادئ هذه العقائد، كما جاءت في الكتاب المقدس دون أن يضعوا لها شكلاً معيناً وحين كانت تعترضهم صعوبة أو مشكلة كانوا يرجعون إلى الرسل أنفسهم أو إلى تلاميذهم من بعدهم. ولكن ما أن انتشرت المسيحية في رحاب الدنيا وقامت بعض البدع، حتى باتت الحاجة ماسة إلى أن تقول الكنيسة المسيحية كلمتها الفاصلة وخصوصاً عندما انتشرت ضلالات آريوس وسباليوس، المخالفة للعقائد المسيحية في ما يختص بلاهوت الابن والروح القدس فقام رجال أعلام في الكنيسة، وفندوا آراء المبتدعين ومن أبرز أولئك الرجال القديس أثناسيوس، الذي قاوم تلك البدع وأصدر القانون الاثناسي المعروف تاريخياً أما صورة هذا القانون فهي كما يلي:

  1. إن كل من ابتغى الخلاص وجب عليه قبل كل شيء أن يتمسك بالإيمان الجامع العام للكنيسة المسيحية.

  2. هذا الإيمان كل من لا يحفظه دون إفساد، يهلك هلاكاً أبدياً.

  3. إن هذا الإيمان الجامع هو أن نعبد إلهاً واحداً في ثالوث، وثالوثاً في توحيد.

  4. لا نمزج الأقانيم ولا نفصل الجوهر.

  5. إن للآب أقنوماً، وللابن أقنوماً، وللروح القدس أقنوماً.

  6. ولكن الآب والابن والروح القدس لاهوت واحد، ومجد متساو وجلال أبدي معاً.

  7. كما هو الآب، كذلك الابن، وكذلك الروح القدس.

  8. الآب غير مخلوق، والابن غير مخلوق، والروح القدس غير مخلوق.

  9. الآب غير محدود، والابن غير محدود، والروح القدس غير محدود.

  10. الآب سرمد، والابن سرمد، والروح القدس سرمد، ولكن ليسوا ثلاثة سرمديين، بل سرمد واحد.

  11. وكذلك ليسوا ثلاثة غير مخلوقين، ولا ثلاثة غير محدودين بل واحد غير مخلوق وواحد غير محدود.

  12. وكذلك الآب ضابط الكل، والابن ضابط الكل، والروح القدس ضابط الكل ولكن ليسوا ثلاثة ضابطي الكل، بل واحد ضابط الكل.

  13. وهكذا الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، ولكن ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد.

  14. وهكذا الآب رب، والابن رب، والروح القدس رب، ولكن ليسوا ثلاثة أرباب، بل رب واحد.

  15. وكما أن الحق المسيحي يكلفنا بأن نعترف بأن كلاً من هذه الأقانيم بذاته إله - ورب. كذلك الدين الجامع ينهانا عن أن نقول بوجود ثلاثة ألهة وثلاثة أرباب.

  16. فالآب غير مصنوع من أحد، ولا مخلوق. ولا مولود والابن من الآب وحده غير مصنوع ولا مخلوق، بل مولود والروح القدس من الآب والابن، ليس بمصنوع، ولا مخلوق ولا مولود.

  17. فإذاً آب واحد لا ثلاثة آباء. وابن واحد لا ثلاثة أبناء. وروح قدس واحد لا ثلاثة أرواح قدس.

  18. وليس في هذا الثالوث من هو قبل غيره أو بعده ولا من هو أكبر منه ولا أصغر منه.

  19. ولكن جميع الأقانيم سرمديون معاً ومتساوون.

  20. ولذلك في جميع ما ذكر يجب أن نعبد الوحدانية في ثالوث. والثالوث في وحدانية.

  21. إذاً من شاء أن يخلص فعليه أن يتأكد هكذا في الثالوث.

  22. وأيضاً يلزم له الخلاص أن يؤمن كذلك بأمانة بتجسد ربنا يسوع المسيح.

  23. لأن الإيمان المستقيم هو أن نؤمن ونقر بأن ربنا يسوع المسيح هو ابن الله هو إله وإنسان.

  24. هو إله من جوهر الآب، مولود قبل الدهور وإنسان مولود من جوهر أمه، مولود في هذا الدهر.

  25. إله تام وإنسان تام كائن بنفس ناطقة وجسد بشري.

  26. مساوٍ للآب بحسب لاهوته، ودون الآب بحسب ناسوته.

  27. وهو إن يكن إلهاً وإنساناً، إنما هو مسيح واحد لا اثنان.

  28. واحد ليس باستحالة لاهوته إلى جسد، بل باتخاذ الناسوت إلى اللاهوت.

  29. واحد في الجملة، لا باختلاط الجوهر، بل بوحدانية الأقنوم.

  30. لانه كما أن النفس الناطقة والجسد إنسان واحد، كذلك الإله والإنسان مسيح واحد.

  31. هو الذي تألم لأجل خلاصنا ونزل إلى الهاوية (أي عالم الأرواح) وقام أيضاً في اليوم الثالث من بين الأموات.

  32. وصعد إلى السماء وهو جالس عن يمين الآب الضابط الكل.

  33. ومن هناك يأتي ليدين الأحياء والأموات.

  34. الذي عند مجيئه يقوم أيضاً جميع البشر بأجسادهم، ويؤدّون حساباً عن أعمالهم الخاصة.

  35. فالذين فعلوا الصالحات يدخلون الحياة الأبدية. والذين عملوا السيئات يدخلون إلى النار الأبدية.

  36. هذا هو الإيمان الجامع، الذي لا يقدر الإنسان أن يخلص من دون أن يؤمن به بأمانة ويقين.

إن خلاصة ما تقدم، هي أن الله واحد وإن كان في اللاهوت ثلاثة أقانيم الآب والابن والروح القدس. أي جوهر واحد وثلاثة أقانيم غير أن الجوهر غير مقسوم. فليس لكل من الأقانيم جزء خاص منه. بل لكل أقنوم كمال الجوهر الواحد نظير الآخر. وإن ما بينهم من النسبة سر، لا يقدر العقل البشري أن يصل إليه. غير أن لنا في الكتاب المقدس ما يوضحه وكل ما جاء من خارج الكتاب المقدس عن الثالوث من أفكار فلسفية أو محاجات منطقية لم يكن إلا بسطاً أو عرضاً لما جاء في الكتاب العزيز عن طريق القياس.

والمعروف تاريخياً أن المسيحيين القدماء، قاموا بدرس عقيدة الثالوث في ضوء كتب الوحي المقدسة، وآمنوا بها واستقروا عليها. ورسموا صورتها في قوانين الكنيسة. وأبرز هذه القوانين، قانون الإيمان النيقاوي. الآتي نصه:

أنا أؤمن بإله واحد. آب قادر على كل شيء، خالق السماء والأرض، وكل ما يُرى وما لا يُرى. وبرب واحد يسوع المسيح. ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. إله من إله. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. ذو جوهر واحد مع الآب. هو الذي به كان كل شيء. الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء. وتجسد بالروح القدس من مريم العذراء. وصار إنساناً وصُلب على عهد بيلاطس البنطي. وتألم. وقُبر وقام أيضاً في اليوم الثالث. وصعد إلى السماء. وهو جالس عن يمين الآب. وسيأتي أيضاً بمجد ليدين الأحياء والاموات الذي ليس لملكه نهاية.

وأؤمن بالروح القدس. الرب المحيي المنبثق من الآب والابن. المسجود له والممجد مع الآب والابن. الذي تكلم بالأنبياء.

وأعتقد بكنيسة واحدة جامعة رسولية. وأعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا. وأنتظر قيامة الموتى، وحياة الدهر الآتي. آمين.

الثالوث في الإسلام

الثابت أن الإسلام حارب تعليماً يقر بتعدد الآلهة. وها هي النصوص التي بها حارب هذا التعليم الباطل:

«وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ ٱنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ» (سورة النساء 4: 171).

«وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ» (سورة المائدة 5: 116).

«لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ» (سورة المائدة 5: 73).

فواضح من هذه الآيات أنها تحارب تعليماً يحمل معنى الإشراك بالله وتعدد الآلهة وبما أن المسيحية لا تعلم بالإشراك ولا بتعدد الآلهة، بدليل قول المسيح: «لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» (متّى 4: 10).

فالثابت إذن أن الإسلام يحارب ثالوثاً غير ثالوث المسيحية. وتعليماً غير تعليمها، وعقيدة غير عقيدتها والظاهر أن حملات الإسلام على تعليم الإشراك بالله، كانت موجهة ضد بدعة ظهرت زمن بداية الدعوة الإسلامية وهذه البدعة لم يحاربها الإسلام وحده، بل حاربتها المسيحية بعنف حتى قضت عليها، كما سبق أن قلت في الرد على سؤال سابق.

ومرة أخرى أقول، إن المسيحية لا تعلم بتعدد الآلهة ولا تقول بأن المسيح إله من دون الله. بل تؤمن بأن الآب والابن إله واحد. بلا تعدد ولا افتراق وقد أكد المسيح ذلك بقوله: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30). ولا تعلم المسيحية بأن مريم المباركة آلهة ومريم نفسها لم تدع لنفسها الألوهية، بل صرحت بأن الله مخلّصها (لوقا 1: 47).

أما قول القرآن «لقد كفر الذي قالوا أن الله ثالث ثلاثة» التي يستند إليها أعداء المسيحية، فقد قيلت بطائفة المرقونيين، الذين لفظتهم الكنيسة وحرمت أتباعهم، لأنهم علموا بتثليث باطل. ونادوا بثلاثة آلهة هم:

أ - عادل، أنزل التوراة

ب - صالح، نسخ التوراة والإنجيل

ج - شرير، وهو إبليس

كما أن الإسلام حارب طائفتي المانوية والديصانية اللتين تقولا بإلهين. أحدهما للخير، وهو جوهر النور. والثاني للشر، وهو جوهر الظلمة.

وقد كانت هذه الطوائف وأشباهها شر ما منيت به المسيحية، قبل الإسلام وما بعده. ولا يزال حكمها في الكنيسة حكم المذاهب الخارجية في الإسلام، الذين عدلوا عن الكتاب والسنة. كالطائفة القائلة بأن الله حل في الحاكم بأمر الله الفاطمي.

إذن فالإسلام لم يحارب عقيدة الثالوث المسيحية الصحيحة، كما يتوهم البعض. ولهذا لا أعتبر آي القرآن المقاوم لتعدد الآلهة، كان موجهاً إلى المسيحية الحقة.

وحين نتتبع هذا الموضوع في الكتب الإسلامية، نرى أن علماء المسلمين، المعتبرين كأنبياء، قد بحثوا في عقيدة الثالوث المسيحية، وثبتوا لها فكرتها الصحيحة. وحسبي أن أورد في ما يلي ما جاء في نسخة قديمة لكتاب «أصول الدين» لأبي الخير بن الطيب، الذي عاصر حجة الإسلام الإمام أبا حامد الغزالي. قال:

«قال بعض المسيحيين لأبي الخير بن الطيب أن الإنجيل بقوله اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس قد أوجب الاعتقاد بثلاثة آلهة. فأجابه لا ريب في أن لباب الشريعة المسيحية هو الإنجيل، ورسائل بولس الرسول وأخبار الحواريين. وهذه الكتب وأقوال علماء النصارى المثبتة في آفاق الأرض تشهد بتوحيدهم، وبما أن أسماء الآب والابن والروح القدس، إنما هي خواص لذاته الواحدة. ولولا حب الإيجاز، لأتيت على إثبات عقيدتهم مفصلاً. ولكنني مع ذلك اقتضب من أقوالهم الناطقة بصحة معتقدهم ووقيم إيمانهم ما لا يخلو من فائدة. فأقول يرى النصارى أن الباري تعالى جوهر واحد موصوف بالكمال. وله خواص ذاتية كشف المسيح عنها القناع. وهي الآب والابن والروح القدس. ويشيرون بالجوهر ذاته الذي يسمونه الباري ذا العقل المجرد إلى الآب. وبالجوهر نفسه الذي يسمونه ذا العقل العاقل ذاته إلى الابن. وبالجوهر عينه الذي يسمونه ذا العقل المعقول من ذاته إلى الروح القدس. ويريدون بالجوهر هنا، ما قام بنفسه مستغنياً عن الظرف».

وقد أشار الإمام العلامة أبو حامد محمد الغزالي إلى عقيدة المسيحيين في كتابه «الرد الجميل» فقال: يعتقد النصارى أنّ ذات الباري تعالى واحدة في الجوهر، ولها اعتبارات:

فإن اعتبر وجودها غير معلق على غيره، فذلك الوجود المطلق هو ما يسمونه بأقنوم الآب.

وإن اعتبر معلقاً على وجود آخر، كالعلم المعلق على وجود العالم. فذلك الوجود المقيد، هو ما يسمونه بأقنوم الابن، أو الكلمة.

وإن اعتبر معلقاً على كون عاقليته معقولة منه. فذلك الوجود المقيد هو ما يسمونه بأقنوم الروح القدس، لأن ذات الباري معقوله منه.

والحاصل من هذا التعبير الاصطلاحي، أن الذات الإلهية واحدة في الجوهر، وإن تكن منعوتة بصفات الأقانيم.

وقال أيضاً:

إن الذات الإلهية من حيث هي مجردة لا موصوفة، عبارة عن معنى العقل. وهو المسمى بأقنوم الآب.

وإن اعتبرت من حيث هي عاقلة ذاتها. فبهذا الاعتبار عبارة عن معنى العاقل، وهو المسمى بأقنوم الابن أو الكلمة.

وإن اعتبرت من حيث ذاتها معقولة منها. فهذا الاعتبار عبارة عن معنى المعقول. وهو المسمى بأقنوم الروح القدس.

وعلى هذا الاصطلاح يكون العقل عبارة عن ذات الله فقط، والآب مرادف له.

والعاقل عبارة عن ذاته. بمعنى أنها عاقلة ذاتها، والابن أو الكلمة مرادف له.

والمعقول عبارة عن الإله المعقولة ذاته منه، وروح القدس مرادف له.

ثم عقب قائلاً: «إذا صحت هذه المعاني فلا مشاقة في الألفاظ ولا في اصطلاح المتكلمين».

أما الإمام فخر الدين الرازي، فيستعرض عقيدة المسيحيين الخاصة بالثالوث على الوجه التالي:

«أما المتكلمون فحكوا عن النصارى أنهم يقولون جوهر واحد. ثلاثة أقانيم آب وابن وروح القدس. وهذه الثلاثة إله واحد. كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة وعنوا بالذات الآب، وبالابن الكلمة، وبالروح الحياة. وقالوا: إن الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله. والكل إله واحد» (التفسير الكبير جزء 12 صفحة 102).

وقال صاحب كتاب اليواقيت ما نصه: قال سيدي علي بن وفا: «المسلَّم أن الذات شيء واحد، لا كثرة فيه ولا تعدد. وإنما قالت المعتزلة عن تعدد القدماء من جهة تعيينها بالصفات. وذلك إنما هو تعدد اعتباري. والاعتباري لا يقدح في الوحدة الحقيقية، كفرع الشجرة بالنسبة لاصلها أو كالأصابع بالنظر إلى الكف».

وجاء في كتاب المواقف صفحة 385 ما نصه «ولا يلتبس عليك أن الأشاعرة لما أثبتوا لله صفات حقيقية، لم يكن هو تبسيطاً حقيقياً واحداً من جميع جهاته».

وجاء في كتاب الملل والنحل ما نصه «إن أبا هذيل حمدان شيخ المعتزلة ومقدم الطائفة ومقرر الطريقة والمناظر عليها قال أن الباري تعالى عالم يعلم، وعلمه ذاته وقادر مقدرة، وقدرته ذاته وحي بحياة، وحياته ذاته. ولعل أبا هذيل اقتبس هذا من الفلاسفة الذين اعتقدوا أن ذات الباري واحدة، لا كثرة فيها بوجه. وإنما الصفات ليست وراء الذات معان قائمة بذاته، بل هي ذاته والفرق بين قول القائل «عالم يعلم هو ذاته» هو أن الأول نفى الصفة، والثاني أن إثبات ذاته هو بعينه صفة، أو إثبات صفة هي بعينها ذات وإن أثبت أبو هذيل لهذه الصفات وجودها للذات، فهي بعينها أقانيم النصارى» .

وقال ابن سينا الملقب بالرئيس: «إن واجب الوجود عقل وعاقل ومعقول، وإنه يعقل ذاته والأشياء. وصفاته الإيجابية والسلبية لا توجب كثرة في ذاته. ثم قال العقل يقال على كل مجرد من المادة. وإذا كان مجرداً بذاته، فهو عقل لذاته. وواجب الوجود مجرد بذاته عن المادة، فهو عقل لذاته. وبما يعتبر له أن هويته المجردة لذاته فهو معقول لذاته. وبما يعتبر له أن ذاته له هوية مجردة فهو عاقل لذاته. وكونه عاقلاً ومعقولاً. لا يوجب أن يكون اثنين في الذات. ولا اثنين في الاعتبار».

وقال: «ثم لما لم يكن جمال وبهاء فوق أن يكون الماهية عقلية صرفة وخبرية، محضة برية من المواد وانحناء النقص، واحدة من كل جهة ولم يسلم ذلك بكنهه إلا واجب الوجود. فهو الجمال المحض، والبهاء المحض، وكل جمال وبهاء وملائم وخير فهو محبوب معشوق، وكل ما كان الإدراك أشد اكتناهاً والمدرك أجمل ذاتاً. فحب القوة المدركة له، وعشقه له، والتذاذه به كان أشد وأكثر. فهو أفضل مدرك لأفضل مدرك. وهو عاشق لذاته، ومعشوق لذاته، عشق من غيره أم لم يعشق. وأنت تعلم أن إدراك العقل للمعقول، أقوى من إدراك الحس للمحسوس، لأن العقل إنما يدل الأمر الباقي، ويتحد به، ويصير هو هو. ويدركه بكنهه لا بظاهره، وكذلك الحس».

ومقتضى قول ابن سينا، وهو أن الله عقل وعاقل ومعقول، أو قول أبو هذيل أن الله علم وعالم ومعلوم أن الله مركب. لأن العقل البشري لا يتصور كيف يكون الله عقلاً وعاقلاً ومعقولاً، ولا يكون مركباً. ومع ذلك فهو واحد بسيط منزه عن التركيب. وليس القصد من إيراد مثل هذا الكلام، أن الأقانيم الإلهية الثلاثة، هم عقل وعاقل ومعقول، أو علم وعالم ومعلوم. فإن كتاب الله علمنا أن الله كائن في ثلاثة أقانيم الآب والابن والروح القدس، وعبر عن الابن بالكلمة الأزلي الخالق. فلا يجوز أن نقول غير ذلك. وإنما أوردت كلام بعض علماء الإسلام للرد على سائلي بأن المسيحيين لا يعتقدون بالتعدد أو التركيب في ذات الله الواحد. ولا يتوهمن أحد أن الأقانيم مجرد تجليات مختلفة للذات العلية. بل أن العقيدة المسيحية تعني أن الذات الواحدة كائنة في ثلاثة أقانيم. وأن التعبير عن الأقنوم الثاني بالابن، لا يعني ولادة بشرية كالمعروف عند عامة الناس، بل هو كلمة تشير إلى النسبة الأزلية، التي بين الأقنوم الأول والثاني. وكذلك لفظة انبثاق مستعارة للإشارة إلى النسبة الأزلية بين الأقنوم الثالث والأقنومين الأول والثاني.

أما لفظة الكلمة التي أطلقت على المسيح في الكتاب المقدس واقتبسها الإسلام، فهي تدل على وحدة الأقنومين الأول والثاني. ولو أن المسلم يتأمل بعمق نص القرآن، يدرك أن لفظة «كلمة الله» صفة أزلية قائمة بذاته تعالى، ليس بحرف ولا بصوت، منزهة عن التقدم والتأخر.

وخلاصة القول أن ذات الله واحدة في ثلاثة أقانيم متساوون في القدرة والعظمة والمجد. فكما أن صفاته منزهة عن التفاوت. فكذلك الأقانيم والسائل توهم أنه توجد ثلاث ذوات في الله وهذا خطأ.

فبكلمة أخرى أن اللاهوت، لا يحد ولا يحصر. مما يجعلنا نؤمن أن الكلمة الأزلي لما اتخذ جسداً، لم يصر محدوداً ولا متناهياً لأنه روح غير محدود ولا متناه. ولا يقبل الزيادة أو النقصان. بمعنى أن التجسد، لم يغير أو يحول الطبيعة الإلهية من الأزلية والسرمدية وعدم التغير والتناهي إلى الحدوث بأن جعلها كالممكنات، حاشا وكلا، وكذلك لا يوجد أي تمييز بين الأقانيم في الذات. لأن ذاتهم واحدة ولا في زمن الوجود. لأن كلا منهم أزلي ولهم علم واحد ومشيئة واحدة. وعقل واحد. ولم يقل أي مسيحي أن في اللاهوت ثلاثة عقول. وله ثلاث إرادات. وثلاث قوات. بل الأقانيم متساوون في القدرة والعمل، فقد قال المسيح مهما عمل الآب فهذا يعمله الابن (يوحنا 5: 19). وقال رسول الأمم بولس: «هٰكَذَا أَيْضاً أُمُورُ ٱللّٰهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ ٱللّٰهِ» (1 كورنثوس 2: 11). فلا امتياز في الصفات والكمالات الإلهية فالابن تجسد وقدم نفسه كفّارة. والروح القدس يجدد قلوبنا. والآب أرسل الابن. والكل ذات واحدة متصفة بصفات الكمال. ولا شك أن هذا فوق إدراكنا. وقد قال الرسول عن الله «مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ ٱلْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ ٱلٱسْتِقْصَاءِ! «لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ ٱلرَّبِّ، أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟» (رومية 11: 33 و34).

ولا ريب في أن الإسلام يعترف بهذه الحقيقة، بدليل قول الشيخ محي الدين في كتاب الباب صفحة 322 «من خاض في الذات بفكره فهو عاص لله ولرسوله وما أمر الله تعالى بالخوض في معرفة ذاته لا النافي ولا المثبت وذاك لأن العبد إذا عجز عن معرفة كنه نفسه، فعن معرفة كنه الحق تعالى من باب أولى».

وقال في الصفحة 373 «أعلم أن الحق تعالى لا يدرك بالنظر الفكري أبداً، وليس عندنا أكبر من ذنب الخائضين في ذات الله بفكرهم. فإنهم قد أتوا بأقصى درجات الجهل».

عمانوئيل الله معنا

في سنة 905 عقد في الأزهر اجتماع ضم الشيخ بدر الدين العلائي الحنفي والشيخ زكريا والشيخ برهان الدين بن أبي شريف، والشيخ إبراهيم المواهبي الشاذلي وجماعة وصنف الشيخ إبراهيم فيها رسالة هذا فحواها:

«بحث في الاجتماع موضوع معية الله معنا، فقال الشيخ برهان الدين: أن الله معنا بأسمائه وصفاته. لا بذاته، فقال الشيخ إبراهيم بل هو معنا بذاته وصفاته. فقالوا له ما الدليل على ذلك. فقال قوله في القرآن : والله معكم. ومعلوم أن الله علم على الذات. فيجب اعتقاد المعية الذاتية ذوقاً وعقلاً، لثبوتها نقلاً وعقلاً. وقد قال العالمة الغزنوي في شرح عقيدة النسفي، أن قول المعتزلة وجمهور النجارية أن الحق تعالى بكل مكان بعلمه وقدرته وتدبيره دون ذاته باطل. لأنه لا يلزم، أن من علم مكاناً أن يكون في ذلك المكان بالعلم فقط. إلا إن كانت صفاته تنفك عن ذاته. فقالوا له: هل وافقك غير الغزنوي في ذلك: فقال نعم. فقد ذكر شيخ الإسلام ابن اللبان في قوله: ونحن أقرب إليه منكم ولا تبصرون» إن في هذه الآية دليلاً على أقربيته تعالى من عبده قرباً حقيقياً، كما يليق بذاته لتعاليمه عن المكان. إذ لو كان المراد بقربه تعالى من عبده قربه بالعلم، أو بالقدرة، أو بالتدبير مثلاً، لقال: «ولكن لا تعلمون» ولكن قوله «لا تبصرون». دل على أن المراد به القرب الحقيقي «المدرك بالبصر، لو كشف الله عن بصرنا، فإن من المعلوم أن البصر لا يتعلق لإدراكه بالصفات المعنوية. وإنما يتعلق بالحقائق المرئية. قال وكذلك القول في قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وهو يدل أيضاً على ما قلناه، لأن أفعل من قرب، يدل على الاشتراك في اسم القرب. وإن اختلف الكيف، ولا اشتراك بين قرب الصفات وقرب حبل الوريد. لان قرب الصفات معنوي، وقرب حبل الوريد حسي، ففي نسبة أقربيته تعالى إلى الإنسان من حبل الوريد. الذي هو حقيقي، دليل على أن قربه تعالى حقيقي، أي بالذات اللازم لها الصفات.

وقال الشيخ إبراهيم: وبما قررناه لكم، انتفى أن يكون المراد قربه تعالى منا بصفاته دون ذاته. وأن الحق الصريح هو قربه منا بالذات أيضاً، إذ أن الصفات لا تعقل مجردة عن الذات المتعالي كما مر.

فدخل عليهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد المغربي الشاذلي شيخ الجلال السيوطي، فقال: ما جمعكم هنا، فذكروا المسألة فقال: تريدون علم هذا الأمر ذوقاً أو سماعاً، فقالوا: سماعاً: فقال: معية الله أزلية، ليس لها ابتداء. وكانت كل الأشياء ثابتة في علمه أزلاً يقيناً بلا بداية. لأنها متعلقة به تعلقاً يستحيل عليه العدم لاستحالة وجود علمه الواجب وجوده بغير معلوم واستحالة طريان تعلقه بها لم يلزم عليه من حدوث علمه تعالى بعد أن لم يكن، وكما أن معيته تعالى أزلية، كذلك هي أبدية ليس لها انتهاء. فهو تعالى معها بعد حدوثها من العدم عيناً. فأدهش الحاضرين بما قال لهم. فقال لهم: اعتمدوا ما قررته لكم في المعية. اعتمدوه ودعوا ما ينافيه تكونوا منزهين لولاكم حق التنزيه، ومخلصين لعقولكم من شبهات التشبيه. وإن أراد أحدكم أن يعرف هذه المسألة ذوقاً فليسلم قياده لي. أخرجه من ثيابه وظائفه وماله وأولاده وأدخله الخلوة وأمنعه النوم وكل الشهوات. وأنا أضمن له وصوله إلى علم هذه المسألة ذوقاً وكشفاً. قال الشيخ إبراهيم فما تجرأ أحد أن يدخل معه في ذلك العهد، ثم قام الجماعة فقبلوا يده.

فأقوال هؤلاء العلماء الأفاضل عن معية الله ظاهرة وفحواها أن حقيقة المعية هي مصاحبة شيء لآخر، سواء كانا واجبين كذات الله مع صفاته، أو جائزين كالإنسان مع مثله، أو واجباً وجائزاً وهو معية الله تعالى لخلقه بذاته وصفاته المفهومة من قول القرآن: «والله معكم» ومن نحو أن الله مع المحسنين أو من قول الكتاب المقدس: «هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا) (متّى 1: 23)، أو من قول المسيح: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متّى 28: 20) وإذا تقرر ذلك، أقول أن حلول اللاهوت في الناسوت جائز، فليس كمعية الواجب للجائز، بل هو أسمى بما لا يقاس. وإنما أوردت المعية لتوضيح هذه المسألة وتقريبها لعقولنا. فإن الإسلام يعترف بمعية الله لخلقه بذاته وصفاته وهو أمر فوق عقل البشر فكيف يحتج عامة المسلمين على اعتقاد المسيحيين بتجسد الكلمة؟

8 - إن كان غفران خطية آدم يحتاج إلى مثل هذه المسرحية المضحكة المبكية. فما الذي يحتاج إليه غفران خطايا العباد من آدم حتى قيام الساعة؟

قلت في ما تقدم أن ذبيحة المسيح رفعت خطية العالم فلا لزوم للتكرار.

أما عن مسرحيتك المضحكة المبكية. فإنك لواجدها في الزعم القائل أن الله القى شبه المسيح على شخص تضاربت آراء علماء الإسلام حول هويته. وهذا الشخص هو الذي صُلب.

  1. قالوا أنه تيطاوس اليهودي. الذي دخل بيتاً ليعتقل المسيح فلم يجده. وألقى الله عليه شبه المسيح فلما خرج ظنه اليهود أنه المسيح فصلبوه.

  2. قالوا أن اليهود لما اعتقلوا المسيح. أقاموا عليه حارساً فألقى المسيح شبهه على الحارس وصعد إلى السماء فأُخذ الحارس وصُلب مكانه. وهو يصرخ أنا لست المسيح.

  3. قالوا وعد عيسى أحد أصحابه بالجنة فتطوع للموت عنه فألقى الله عليه شبه عيسى. فأُخرج وصُلب أما عيسى فرُفع إلى السماء.

  4. نافق أحد تابعي عيسى (يهوذا) وجاء مع اليهود ليدلهم عليه. فلما دخل لأخذه ألقى الله عليه شبه عيسى فأُخذ وقُتل وصُلب.

وقد سرد الإمام أبو جعفر الطبري في كتابه جامع البيان عدة روايات عن الشبه المزعوم منها:

  1. إن بعضهم قال: لما أحاطت اليهود بعيسى وبأصحابه. حُولوا جميعاً إلى شبه عيسى فأشكل الأمر على الذين كانوا يريدون قتل عيسى. وخرج إليهم بعض من كان في البيت فقتلوه وهم يحسبونه عيسى (مروية عن سلمة).

  2. مروية عن ابن حمية، عن يعقوب العتمي، عن وهب بن منبه، قال: أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريي فجاء اليهود وأحاطوا بهم. فلما دخلوا، صورهم الله على صورة عيسى. فقالوا لهم سحرتمونا، لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعاً. فقال عيسى لأصحابه: من منكم يشتري نفسه اليوم بالجنة. فقال رجل منهم أنا. فخرج إليهم فقال: أنا عيسى فأخذوه فقتلوه وصلبوه.

  3. مروية عن محمد بن الحسين، عن السدي، قال أن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريين في بيت. فقال عيسى لأصحابه: من يأخذ صورتي فيُقتل وله الجنة. فأخذها رجل منهم، وصعد عيسى إلى السماء. أما الرجل الذي أخذ الصورة فقُتل وصُلب.

  4. مروية عن ابن اسحاق، قال: أرسل ملك بني إسرائيل واسمه داود رجلاً ليقتل عيسى، فذهب مع عصبة ليقوم بالمهمة وكان مع ثلاثة عشر من أصحابه. فلما أيقن عيسى أنهم داخلون عليه ألقى شبهه على أحدهم فأمسكوه وصلبوه.

فأيا كان الذي ألقي عليه الشبه يهوذا ام غيره، فهنا المسرحية المضحكة المبكية. إذ فيها اتهام الله سبحانه بأنه لبس على البشر وسلم مسكيناً للقتل والصلب. ولكن حاشا لله أن يخدع أحداً.

Table 2. 

لا يخدع الله قوماً يؤمنون بهفتلك خدعة إنسان لإنسان    

9 - لماذا أجل الفداء إلى زمن المسيح وما حكم من ماتوا قبل الفداء به؟

من المسلم به أن الله في مشورته، عيّن زمان ومكان وذبيحة الفداء. وهذا ينفي كلمة تأجيل التي جاءت في سؤالك.

صحيح أن الأرض وقعت تحت اللعنة، بسبب سقوط آدم. إلا أن الله قد قضى بأن اللعنة يجب أن تأخذ مفعولها قبل إصلاح كل شيء بالمسيح الآتي. وذلك بواسطة خراب عمومي تتغير به هيئة الأرض، لكي تظهر نتائج السقوط الردية قبل حصول الإصلاح.

وأيضاً مجيء المسيح لم يكن مناسباً قبل مجيء موسى لأن الناس لم يكونوا بوجه العموم قد زاغوا كلياً عن الله أي لم يكونوا بأجمعهم واقعين في ظلمة الأوثان.

وربما كان من جملة الأسباب لعدم مجيء المسيح قبل الطوفان أو بعده مباشرة. أن الله أراد أن تمتلئ الأرض من البشر، تمشياً مع وصيته لآدم (تكوين 1: 28).

ولم يكن مجيئه مناسباً قبل سبي بابل، لأن مملكة الشيطان لم تكن يومئذ قد بلغت أوج عظمتها فممالك الوثنيين، كانت صغيرة قبل السبي. فاستحسن الله أن يأتي المسيح في زمان أكبر مملكة وثنية عرفها التاريخ، وهي مملكة الرومان. التي كانت هي مملكة الشيطان المنظورة في هذا العالم، فيكون المسيح بغلبته على هذه المملكة، قد غلب مملكة الشيطان وهي في أبان عزها وقمة مجدها.

المهم أن «الكلمة الذي كان في البدء عند الله. وكان الكلمة الله» قد جاء في ملء الزمان ليصير في «عمانوئيل الله معنا» ليفتدينا. فتراه الأعين وتسمعه الآذان وتلمسه الأيدي، وترى الأعين «مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» والمؤمنون به أخذوا من ملئه، ونعمة فوق نعمة. وكان الكلمة المتجسد هو الذروة العليا للمظاهر التي أعلن الله بها ذاته للبشر. فيه لم تعلن قوة الله وعظمته فقط، بل أعلن للبشر قلب الله الحنون ورحمته وعطفه ومحبته.

نعم، هكذا صارت المشيئة الإلهية، أن ينتظر العالم حقبة طويلة من الزمن، قبل أن يبزغ نور إعلان الفداء بعمانوئيل الذي تفسيره الله معنا. ولكن الله خلال هذه المدة كان يعني جد العناية بهذا العالم البائس.

ويخبرنا التاريخ أنه عند تجسد المسيح، كان في العالم ثلاثة شعوب، هي صاحبة النفوذ في ذلك العصر: اليونان والرومان واليهود. كان اليوناني مثقفاً مصقولاً، والروماني قوياً متسلطاً، واليهودي متمسكاً بناموس الله. وهذه الشعوب الثلاثة تعاونت دون أن تدري على إعداد الطريق لمجيء المسيح، مما يجعلنا نعتقد بأن هذا التعاون العفوي الذي تم هو من تدبير العناية الإلهية، لإعداد طريق الآتي باسم الرب.

وقبل كل شيء نرى أنه استخدم الرومان لإعداد الطريق، بتوحيد أجزاء العالم المتمدن، وإشاعة الأمن في رحابه، بعد أن كانت عصابات السلب والنهب تعبث فيه فساداً حتى أنه كان قبل ذلك متعذراً على أية دعوة تنبعث عن الديار المقدسة أن تتعدى تخوم تلك الديار الصغيرة.

وكذلك اليونانيون قاموا بنصيبهم وهم لا يدرون بإعداد طريق المسيح. وذلك بتقديم لغتهم اليونانية الجميلة اللينة، التي كانت آنئذ اللغة الرئيسية والرسمية في الأمبراطورية. فبهذه اللغة كانت أداة طيبة لنشر رسالة الإنجيل في كل ربوع العالم المتمدن.

وأما اليهود الذين تشتتوا في كل أصقاع العالم، فقد حملوا معهم أسفارهم المقدسة لأن موسى أوصاهم بأن يقرأوها في المجامع كل سبت. وكان من أهم عوامل الاتصال بين هذه الشعوب أن الكتاب المقدس تُرجم إلى اللغة اليونانية، مما أتاح للعالم الوثني أن يطلع على النبوات الخاصة بالمسيح المنتظر، وبالتالي أن يستعد لقبوله. وأنه لغريب حقاً أن تتحد هذه الشعوب لإعداد طريق الرب وهي لا تدري.

ولعل أغرب ما في الأمر كله، هو الانتظار الحار، الذي كان عليه الشعب اليهودي قبل مجيء المسيح ويعزو الباحثون هذا الانتظار إلى انقطاع الوحي عنهم خلال خمسة قرون وكان من البديهي أن ينسى الناس وتضعف الآمال المرتقبة ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث بل كان شوق الناس إلى مشتهى كل الأمم يزداد كل يوم.

ومما لا ريب فيه أن الأمم الذين اطلعوا على الكتابات المقدسة شاركوا اليهود في انتظارهم ولنا دليل على ذلك في مجيء المجوس من الشرق إلى الديار المقدسة للسجود لطفل المذود يسوع.

ومما يجدر ذكره هو أنه عند تجسد الكلمة في مذود بيت لحم. حدثت أمور مهمة جداً أعادت الرجاء إلى قلوب منتظري الرب منها:

  1. رجوع روح النبوة والوحي الذي كان قد احتجب بعد ملاخي النبي، حيث توقفت الرؤى والوحي أما وقد جاء ملهم الأنبياء، فقد أعطيت من جديد فظهر هذا الروح أولاً في الوحي إلى زكريا الكاهن، فأليصابات، فمريم العذراء، فيوسف، فسمعان الشيخ، فحنة النبية، فيوحنا المعمدان.

  2. الفرح العظيم الذي عم السماء والأرض. وأعربت عنه أجواق الملائكة حين حيوا الأرض بنشيد قائلين: «ٱلْمَجْدُ لِلّٰهِ فِي ٱلأَعَالِي، وَعَلَى ٱلأَرْضِ ٱلسَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ» (لوقا 2: 14) فأهل السماء والأرض كانوا يرقبون تجسد الكلمة لأنهم اطلعوا على مواعيد الله المتعلقة بالفداء الذي أعده تعالى.

  3. دخول يسوع الطفل إلى الهيكل. فتم ما قيل بالنبي القائل: «وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ ٱلأُمَمِ، فَأَمْلأُ هَذَا ٱلْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. لِي ٱلْفِضَّةُ وَلِي ٱلذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُ هَذَا ٱلْبَيْتِ ٱلأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ ٱلأَّوَلِ، قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. وَفِي هَذَا ٱلْمَكَانِ أُعْطِي ٱلسَّلاَمَ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ» (حجي 2: 7 - 9).

10 - لقد عرف التثليث قبل النصرانية في عبادات الوثنيين في فارس، واليونان، والرومان، والهند، والصين. فما السر في ذلك؟

يوجد بون شاسع وفرق بعيد بين العقيدة المسيحية وعقائد الوثنيين. فالمصريون القدماء، كانوا يؤمنون بثالوث ممثل في أزوريس، وإيزيس، وهو ريس. ولكن هؤلاء لم يكونوا إلهاً واحداً بل كانوا ثلاثة آلهة.

وكذلك الهنود، آمنوا بأن جوهر إلهي بسيط غير شاعر بنفسه، خال من الصفات صدر منه ثلاثة آلهة تنوب عنه، وتفوق غيرها من الآلهة مقاماً. واسم الأول براهمة، وهو الخالق وأصل كل شيء. واسم الثاني وشنو، وهو الحافظ لكل شيء. واسم الثالث شيوا، وهو المخرب وهم أيضاً ثلاثة آلهة.

أما الفرس فقد آمنوا بوجود إلهين عظيمين، اسم الأول أرومازاد، وهو إله الخير. واسم الثاني أهرمان، وهو إله الشر وقالوا أن كل ما هو خير وروحي يرجع إلى إله الخير، وكل ما هو شرير ومادي يرجع إلى إله الشر. وإذا رأوا أن الصراع بين الخير والشر صراع دائم مستمر قائم، التزموا أن يقولوا أن هذين الإلهين أزليان متساويان، ولا يمكن لأحدهما أن يتغلب على الآخر.

على أي حال فالثالوث المسيحي، لا يمت بآية صلة إلى هذه المعتقدات الوثنية وليس في وجودها. ما يبطل حقيقته مثله كاسم الجلالة «الله» فمع أنه عرف عند العرب الوثنيين قبل الإسلام، إلا أن هذا الواقع لم يجد الإسلام فيه ما يشكل طعناً في القرآن فقد ذكره شعراء الجاهلية في قصائدهم منهم:

لبيد إذ قال:

لعمرك لا تدري الضوار بالحصى ولا زاجرت الطير ما الله صانع

النابغة الذبياني إذ قال:

لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأخلاق غير موارب

وقال أيضاً:

ألم تر أن الله أعطاك صورة ترى كل ملك جونها يتذبذب

وهل يقلّ فضل القرآن في كونه جعل الطواف بالصفا والمروة من شعائر الله، مع العلم أنه في الصفا والمروة كانت تقام عبادة الصنمين «أساف ونائلي» قبل الإسلام.

وكذلك الحج والعمرة والوقوف في عرفه. والمزدلفة ورمي الجمار. وتقبيل الحجر الأسود. كانت من شعائر العرب الوثنيين قبل الإسلام.

وما قولك في أن لقصة الإسراء والمعراج مثيلاً في كتب الزرادشتية الدينية. وهل يصر الإسلام في شيء في كون اليهودية سبقته إلى عقيدة التوحيد.

11 - الحواريون الذين عاصروا المسيح وناصروه، لم يثبت أن عبدوا المسيح، واعتقدوا بألوهيته، فهل أنتم أعلم به من الحواريين؟

يخبرنا الإنجيل أن الرب يسوع قبيل صعوده إلى السماء جمع تلاميذه وقال لهم: «هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ، أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْمَزَامِيرِ. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا ٱلْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: هٰكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهٰكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِٱسْمِهِ بِٱلتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذٰلِكَ. وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُّوَةً مِنَ ٱلأَعَالِي. وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجاً إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ ٱنْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ ٱللّٰهَ. آمِينَ» (لوقا 24: 44 - 53).

فهذه الآيات التي اختتم بها الإنجيل بحسب لوقا تبين أن الحواريين في ساعة وداع معلمهم تعبدوا للمسيح كجماعة. أما كفرادى ففي الكتاب المقدس عدة شهادات للحواريين تدل على أنهم كانوا يعتقدون بألوهيته منها:

  1. شهادة يوحنا الإنجيلي: إذ قال: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ. هٰذَا كَانَ فِي ٱلْبَدْءِ عِنْدَ ٱللّٰهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ، وَٱلْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ ٱلنَّاسِ» (يوحنا 1: 1 - 4).

    «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبَدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي» (رؤيا 1: 8).

  2. شهادة توما، يخبرنا الإنجيل: «وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَٱلأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسَطِ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكُمْ. ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً. أَجَابَ تُومَا: رَبِّي وَإِلٰهِي» (يوحنا 20: 26 - 28).

  3. شهادة بطرس، قال يسوع لتلاميذه الاثني عشر: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟ فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ» (يوحنا 6: 67 - 68).

    سأل يسوع سمعان بطرس: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ» (يوحنا 21: 17).

  4. شهادة الرسول بولس: «وَمِنْهُمُ ٱلْمَسِيحُ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، ٱلْكَائِنُ عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ» (رومية 9: 4).

12 - التوراة تنص على أن كل من علق على خشبة فهو ملعون وأنتم تصرون على أن المسيح عُلق على خشبة الصليب... وتتباهون بتعليق الصليب على صدوركم، ونحن نصر على تنزيه المسيح من تخريصاتكم، فمتى نتفق؟

  1. نص التوراة صحيح ويسوع المسيح عُلق على خشبة الصليب كفاد فعلاً وذلك لكي يزيل حكم اللعنة عن البشر، الذين لم يثبتوا في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس.

  2. إن كان أحد مدعواً مسيحياً ويُعلق الصليب في عنقه تباهياً، فذلك تذكير بما قاله الرسول المغبوط بولس: «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ ٱلْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غلاطية 6: 14).

  3. كلا، لسنا بمخرصين، فموت المسيح الفدائي حقيقة تستند على النبوات وشهادة الرسل الذين شهدوا موته وعاينوا قيامته وكذلك التاريخ شاهد لهذه الحقيقة. وإذا ما تأملنا في كتابات الرسل الموحى بها، نرى أن الإنجيل الذي بشروا به منذ فجر المسيحية، وقبله الناس وبه خلصوا، إنما كان الخبر السار، الذي لخصه بولس رسول الأمم بهذه العبارات الصريحة: «وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ بِٱلإِنْجِيلِ ٱلَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضاً تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثاً! فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَّوَلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ حَسَبَ ٱلْكُتُبِ» (1 كورنثوس 15: 1 - 4). ومع ذلك فبعد مرور ما يربوا على الخمسماية سنة على انتشار هذا الإنجيل في كل العالم، جاء من يعترض على هذه الحقيقة لكأنه يقول للمسيحيين، أنتم على خطأ في دينكم.

    لقد دار في خلدي أن أقوم والسائل الكريم بجولة في موضوع الصليب مستعرضاً أقوال الأنبياء ورسل المسيح وإعلانات المسيح نفسه، وما كتبه المؤرخون وشهود العيان ولكن لا لزوم لذلك، لأن العالم السماوي بكتبه الموحى بها، والعالم الأرضي بسجلاته التاريخية يشهدان بذلك:

    وليس يصح في الأذهان شيء متى احتاج النهار إلى دليل

  4. أما عن القسم الأخير من سؤالك فأقول: يخبرنا الإنجيل أن الرب يسوع حين وجه دعوته إلى اليهود قال: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجاً» (يوحنا 6: 37). وقال أيضاً: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا 11: 25).

فالإقبال إلى يسوع معناه قبوله مخلصاً شخصياً بالفداء الذي أكمله بذبيحته الكفّارية على الصليب. والإيمان بيسوع يشمل الإيمان بلاهوته. فإذا أردتم أن نتفق فعلاً، فهلم نردد معاً التسبيحة التي أطلقها سكان أورشليم حين جاءهم يسوع في موكب رئيس السلام: «مبارك الآتي باسم الرب»، وحينئذ نشارك معاً جماهير المفديين في ترنيمة الفداء قائلين: «ٱلَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ» (رؤيا 1: 5 و6).

مسابقة كتاب نصرة الحق

ان كنت مجتهداً في قراءة هذا الكتاب، يمكنك الإجابة على الأسئلة التالية بسهولة. الرجاء ارسال الإجابات على قسيمة الاتصال بنا الموجودة على الموقع.

  1. ما هو تعريف الإيمان في الوحي المسيحي؟

  2. هل يستطيع العقل إدراك الغيبيات؟

  3. أعطِ بعض الأدلة على تعريف الإيمان.

  4. لأي بدعة أشار القرآن في المائدة 4: 116؟

  5. أعطِ أمثلة من شهادة المسيح لنفسه.

  6. كيف شهد الله الآب للمسيح الابن؟

  7. لخص شهادة الرسل للمسيح.

  8. من هو الروح المقدس بحسب الوحي المسيحي؟

  9. على أي أساس بُني الغفران في المسيحية؟

  10. ماذا نتعلم من قراءة الكتاب المقدس؟

  11. هل من بشر يولد بلا خطية؟ وماذا قال الكتاب المقدس في ذلك؟

  12. ما معنى اسم يسوع؟ وهل نُسبت إليه خطية ما؟

  13. هل الخلاص ترتيب إلهي طارئ أم أزلي؟

  14. على أي صورة خلق الله الإنسان الأول؟

  15. كيف سقط آدم وحواء في غواية الشيطان؟

  16. أذكر الآية في المزمور 14 والآية من إرميا 17 وتأمل؟

  17. ما هي أجرة الخطية؟

  18. منذ متى بدأ الله يطلب الذبيحة الكفّارية؟

  19. ما هو قصد الله من طلب الذبيحة؟

  20. لمن رمزت كل الذبائح؟

  21. ما معنى التجسد؟ ما هي غايته؟

  22. ما معنى الكفّارة في التعليم المسيحي؟

  23. هل نجد في وحي التوراة إشارات إلى وحدانية الثالوث؟ أعط مثلاً واحداً.

  24. ما هي خلاصة القانون الأثناسي؟

  25. هل التثليث الذي يحاربه الإسلام هو ثالوث المسيحية؟

  26. ما رأي فلاسفة وعلماء الكلام المسلمين في عقيدة الثالوث؟

  27. ما رأيك في كل من الأسئلة والأجوبة؟

الرجاء استخدام الاستمارة الخاصة بالموقع للاتصال بنا:

www.the-good-way.com/ar/contact

او يمكنك ارسال رسالة عادية الى:


The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland