Table of Contents
كيف يمكنكم أن تثبتوا أبوّة الله للمسيح؟
وما رأيكم في تفضيل محمد على غيره من الأنبياء؟
ويُقال إنّ التوراة والإنجيل قد حُرِّفَا، فما هو جوابكم على ذلك؟
ما هي أدلّتكم على أنّ المسيح مات مصلوباً؟
أَليس وجود أربعة أناجيل دليلاً على تحريف الإنجيل؟
أسئلة من:
السيد م. ز. ص. - طرابلس - لبنان
يسرّني جدّاً أن أجد عندك هذا الميل إلى البحث في حقائق الإنجيل، وحسناً تفعل في هذا الاتّجاه، وفقاً لقول رسول الجهاد العظيم بولس «لاَ تُطْفِئُوا ٱلرُّوحَ. لاَ تَحْتَقِرُوا ٱلنُّبُوَّاتِ. ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِٱلْحَسَنِ» (1 تسالونيكي 5: 19 - 21).
يبدو من مقدّمة رسالتك أنّك أردت الدخول في نقاش حول بعض المعتقدات المسيحيّة، فحملك الحماس على تحويل المناقشة إلى مجادلة أهل الكتاب «بِغَيْرِ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (العنكبوت 29: 46). لَكَأَنّك نسيت تحذير القرآن القائل «وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ» (المائدة 5: 43) فأنت في محاولة الاعتراض على أكثر العقائد المسيحيّة، استعملتَ بعضَ الشواهد من القرآن وليس من الكتاب المقدَّس، الذي عيّنه القرآن حَكَماً في الخلاف بين المسيحيّ والمسلم، بدليل أنّه أحال محمّداً نفسه، في حال الشكّ في صحّة عقيدةٍ ما إلى أهل الكتاب. إذ يقول: «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَٱسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَأُونَ ٱلْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ» (يونس 10: 94). وهذه الوصيّة تفرض على كلّ مسلم أن يحتكم في خلافاته العقائديّة مع أهل الكتاب إلى كتابهم، وذلك وفقاً لنصٍّ آخر يقول: «إِنَّا أَنْزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ» (المائدة 5: 44). فالمسيحيّ إذاً غير ملزم بنصوص القرآن على الإطلاق. وعلى العكس، فإنّ القرآن يدعوه للتمسّك بكتابه، إذ يقول «قُلْ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ » (المائدة 5: 68). «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (المائدة 5: 47).
وفيما يلي تجد الردّ على اعتراضاتك على بعض العقائد المسيحيّة:
في محاولتك التعرّض لبنوّة المسيح استندْتَ إلى نصوصٍ قرآنيّة من سورتَي الإخلاص ومريم. وفاتك أن تشير إلى ما جاء في سورة الأنعام «بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (الأنعام 6: 101). وقصدي من الاستشهاد بهذا النصّ، أن ألفت نظرك الكريم إلى علّة اعتراض الإسلام على بنوّة المسيح. ففي القديم نادى بعض الملتصقين بالكنيسة من أصل وثني ببدعة مفادها أنّ مريم العذراء إلهة. ولعلّهم استعاضوا بها عن «الزهرة» التي كانوا يعبدونها قبلاً، وقد أطلقوا على أنفسهم اسم المريميّين نسبة إلى مريم. وأشار إليهم العلاّمة أحمد المقريزي في كتابه «القول الإبريزي» (ص 26). وكذلك ذكرهم ابن حزم في كتابه «الملل والأهواء والنِحل» (ص 48). وبما أنّ بدعتهم تفترض اتّخاذ الله زوجة وإنجاب ولد منها، فبديهيّ جدّاً أن يشجبها القرآن. ولكنّ هذه الفكرة بعيدة كلّ البعد عن المسيحيّة. وليس ثمّة مسيحيّ واحد يؤمن بها. بل إنّ المسيحيّين يعتبرونها إهانة موجَّهة إلى جلال الله القدّوس المنزَّه عن كلّ خصائص الجسد. ولقد انبرى علماء المسيحيّة لمقاومة هذه الضلالة بكلّ الحجج الكتابيّة والعقليّة. وهكذا لم ينتهِ القرن السابع حتّى كانت قد تلاشتْ تماماً.
فممّا تقدّم يتّضح لنا أنّ القرآن لم ينتقد عقيدة المسيحيّين، بل بدعة المريميّين التي مصدرها الوثنيّة، لأنّ الوثنيّين الذين كانوا منتشرين في مصر وبلاد العرب واليونان كانوا يعتقدون بأنّ آلهتهم تتزوّج وتنجب أولاداً. أمّا المسيحيّون فلا يعتقدون بأنّ المسيح ابن الله على طريقة الاستيلاد من صاحبة، بل يعتقدون أنّه ابن الله على طريق الصدور من ذاته في الوجود الإلهيّ، بصفة كونه «كلمة الله وروح منه». وقد أشار الرسول بولس إلى هذه الحقيقة إذ قال «بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْمَدْعُوُّ رَسُولاً، ٱلْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي ٱلْكُتُبِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، عَنِ ٱبْنِهِ. ٱلَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ، وَتَعَيَّنَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَات» (رومية 1: 1 - 4).
وحين نستعرض أقوال المسيح نرى فيها تصريحات واضحة تؤكّد البنوّة الإلهيّة، منها «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لٰكِنَّ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متّى 16: 17). «فَهٰكَذَا أَبِي ٱلسَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ» (الإنجيل بحسب متّى 18: 35). «لِماذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟» (الإنجيل بحسب لوقا 2: 49). «فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا5: 17). «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي» (الإنجيل بحسب يوحنّا 10: 32).
وحين تمت معمودية المسيح في نهر الأردن، سُمع صوتٌ من السماء «هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (الإنجيل بحسب متّى 3: 17).
لم يلد ولم يولد:
والآن لنعد إلى كلمة القرآن «لم يلد ولم يولد» فقد فسّرها الإمام البيضاوي هكذا «لم يلد» لأنّه لم يجانس ولم يفتقر إلى ما يعينه أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والغناء عليه. «ولم يولد» لأنّه لا يفتقر إلى شيء ولا يسبقه عدم. فالولادة المعنيّة في سورة الإخلاص لا تكون إلاّ جسديّة تناسليّة. وهذا ليس اعتقاد المسيحيّين إطلاقاً.
لو كان المسيح مجرّد نبيّ لأَجزتُ لنفسي الدخول معك في مناظرة لتعيين الأفضل. أمّا والمسيح أعظم من الأنبياء والملائكة ورؤساء الملائكة، وكلّ خليقة في السماء وعلى الأرض ممّا يُرى وما لا يُرى، فليس من لزوم للبحث في هذا الموضوع، فقد جاء في كتاب الله: «مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلْقِدِّيسُونَ، شُرَكَاءُ ٱلدَّعْوَةِ ٱلسَّمَاوِيَّةِ، لاَحِظُوا رَسُولَ ٱعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ، حَالَ كَوْنِهِ أَمِيناً لِلَّذِي أَقَامَهُ، كَمَا كَانَ مُوسَى أَيْضاً فِي كُلِّ بَيْتِهِ. فَإِنَّ هٰذَا قَدْ حُسِبَ أَهْلاً لِمَجْدٍ أَكْثَرَ مِنْ مُوسَى، بِمِقْدَارِ مَا لِبَانِي ٱلْبَيْتِ مِنْ كَرَامَةٍ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْبَيْتِ. لأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَبْنِيهِ إِنْسَانٌ مَا، وَلٰكِنَّ بَانِيَ ٱلْكُلِّ هُوَ ٱللّٰهُ. وَمُوسَى كَانَ أَمِيناً فِي كُلِّ بَيْتِهِ كَخَادِمٍ، شَهَادَةً لِلْعَتِيدِ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِهِ. وَأَمَّا ٱلْمَسِيحُ فَكَٱبْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا بِثِقَةِ ٱلرَّجَاءِ وَٱفْتِخَارِهِ ثَابِتَةً إِلَى ٱلنِّهَايَةِ» (عبرانيّين 3: 1 - 6).
ونقرأ أيضاً: «اَللّٰهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ ٱلآبَاءَ بِٱلأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ - ٱلَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ ٱلْعَالَمِينَ. ٱلَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ ٱلْعَظَمَةِ فِي ٱلأَعَالِي، صَائِراً أَعْظَمَ مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ ٱسْماً أَفْضَلَ مِنْهُمْ. لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: أَنْتَ ٱبْنِي أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ؟ وَأَيْضاً: أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْناً» (عبرانيّين 1: 1 - 5 ومزمور 2: 7).
يمكنك أن تقول عن أيّ كتاب دينيّ بأنّه محرَّف، ولكن يوجد فرق بين الادّعاء بالتحريف وبين إثبات ذلك بالبرهان. أمّا برهانك الأّول الذي قدّمتَه وهو القول بأنّ الإنجيل يحرّم الطلاق، بينما القرآن يبيحه، وأنّ الإنجيل يبيح الخمر بينما القرآن يحرّمه، فهو برهان ضعيف لا يستطيع الوقوف أمام الحقيقة، وذلك لسببَين:
1 - إنّ الإنجيل لم يحرّم الطلاق، وإنّما لكي يضع حدّاً لمخالفات الكتبة والفرّيسيّين اليهود في تفسير الوصيّة الخاصّة بالطلاق الواردة في التوراة (تثنية 24: 1) علّم بوجوب الرجوع إلى ما قضى الله به في البدء، إذ رَسَم أن يدوم اقتران الرجل والمرأة ما زالا حيَّين (تكوين 2: 24) وذلك حرصاً منه على صيانة راحة العائلة، والآداب العامّة، والاعتبار الواجب للمرأة كأمٍّ وكشريكة للرجل في الميراث الروحيّ. بيد أنّ المسيح أجاز الطلاق في حالة انحلال رباط الزيجة بارتكاب أحد الزوجين خطيّة الزنى (الإنجيل بحسب متّى 5: 32).
وقد رأينا في السنين الأخيرة أنّ بعضاً من مفكّرِي الإسلام وزعمائه قد وضعوا قوانين تمنع الطلاق الكيفيّ حفظاً لكيان العائلة والأمّة. ولعلّهم فعلوا هذا تجاوباً مع الحديث النبويّ القائل: «أبغض الحلال عند الله الطلاق» (سنن أبي داود كتاب 13 ، باب 3).
2 - لم يبح الإنجيل الخمر، بل بالعكس نهى عنه إذ يقول «وَلاَ تَسْكَرُوا بِٱلْخَمْرِ ٱلَّذِي فِيهِ ٱلْخَلاَعَةُ، بَلِ ٱمْتَلِئُوا بِٱلرُّوحِ» (أفسس 5: 18). «لاَ تَضِلُّوا! لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ» (1كورنثوس 6: 9 ، 10).
وفوق هذا، فإنّ اختلاف الإنجيل والقرآن في بعض مواد التشريع لا يجيز لك الحكم بأنّ الإنجيل محرّف، لأنّه لو انطلقنا من هذا المبدأ، فما يمنع المسيحيّ أن يقول بأنّ القرآن محرَّف لأنّه يسمح بالطلاق لأسباب لا يقرّها الإنجيل؟!
قلتَ في رسالتك «أنا أعتقد أنّ عيسى عليه السلام عندما علم بمؤامرة صلبه ترك كتابه هنا على الأرض. ولمّا صُلِب شبهه أُحرِقَت الكتب جميعها، فأعاد بعض الناس كتابة بعض ما عرفوه، وزادوا عليه كثيراً من عندهم. وهذا ما يفسّر لنا كثرة الأناجيل التي يختلف واحدها عن الآخر، بينما القرآن لم يتجزّأ ولم يتغيّر، وكذلك التوراة حُرّفَت، وهي ليست التي نزلت على موسى».
أنا لا أريد أن أجادلك في أمر القرآن إن كان قد تجزّأ أو تغيّر، لأنّ هذا ليس من شأني. وإنّما من حقّي البديهي أن أسألك قبل كلّ شيء: أيّ كتب هي التي أُحرِقَت جميعها؟ إن كانت أسفار الإنجيل فهذا غير ممكن، لأَنّ الإنجيل لم يكن قد كُتِبَ بعد. وإن كانت أسفار التوراة، فالتوراة كانت دائماً محفوظة في الهياكل والمجامع تحت حراسة مشدّدة. لستُ أدري إن كنت تعني فعلاً أنّ المسيح كان له كتاب فتركه على الأرض لكي تتناوله أيدي العابثين بالحرق، وبالتالي أن يبدّلوا نصوصه أو قسماً منها. أنا لا أظنّ أنّ مسلماً في العالَم يوافقك على هذه الرواية التي لا يقبلها منطق سليم، وخصوصاً لأنّ قرآن المسلمين شهد للإنجيل بالصحّة، إذ يقول «يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ » (المائدة 5: 68). «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (المائدة 5: 47).
فإذا أضفنا إلى هذه النصوص دعوة القرآن لمحمّد أن يؤمن بما جاء في الكتاب المقدَّس «قُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ» (الشورى 42: 15) يواجهك سؤال محرج جدّاً، وهو: هل يصحّ أن يدعو الله محمّداً، بعد مئات السنين من صعود المسيح إلى السماء، لكي يؤمن بكتاب محرَّف؟
ولا أظنّك تجهل أنّ القرآن دعا المسلمين في كلّ جيل وعصر إلى أن يؤمنوا بالكتاب المقدَّس، إذ يقول: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ» (النساء 4: 136). «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (الشورى 42: 13).
وإذا تعمّقنا في دراسة القرآن نرى في محتوياته، ليس فقط عشرات الشهادات بصحّة التوراة والإنجيل، بل أيضاً عدّة وعود من الله بالحفاظ على كلمته من عبث وتحريف منها:
«إِنَّا نَحْنُ نَّزَلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر 15: 9).
«وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً» (الأحزاب 33: 62).
«وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ» (الأنعام 6: 34).
ولا تنس أن الذِّكر هو كل ما يذكّر بالله سبحانه، كما جاء في سورة الأنبياء 21: 105 «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلّزَبُورِ مِنْ بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ». وسورة الأنبياء 21: 48 «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ».
فإن حصل تحريف في كلام الله يكون المعنى أنّ وعود الله، التي قطعها على نفسه وجاءت في القرآن، بحفظ كتبه المقدَّسة قد سقطت. وهذا غير ممكن، لأنّ الله أمين وصادق وقادر أن يحفظ كلمته. وخصوصاً لأنّ حقّه وقداسته يستلزمانه ذلك. وأخيراً أين تذهب يا صديقي بقول القرآن «قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا (أي التوراة والإنجيل) أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (القصص 28: 49)؟
والآن إنصافاً للحقيقة لا يسعني إلاّ سؤال المدّعين بالتحريف أن يذكروا لنا الوقت الذي حصل فيه التحريف المزعوم. فإن كان قبل نشوء الإسلام، فلماذا شهد القرآن للكتاب المقدَّس ونوّه بمحتوياته وصدّق عليها؟ ولماذا قال «لاَ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (فصلت 41: 42)؟ وإن كان التحريف المزعوم حدث بعد انتشار الإسلام، فإنّ الزعم يسقط بوجود نسخٍ من الكتاب المقدَّس محفوظةٍ في المتاحف، يعود تاريخ نسخها إلى ما قبل الإسلام بثلاثة قرون. ونصوصها لا تختلف في شيء عن نصوص النسخ المتداولة في أيّامنا.
ولا يسعني في هذه المناسبة إلاّ أن أسأل إن كان يصحّ أن يشهد القرآن للكتاب العزيز بأنّه حقّ أُنزِل من الله هدى للناس ورحمة، ثمّ يعود بعد ذلك فينسب له التغيُّر؟ في الواقع لو حصل شيء كهذا لكان الأمر فشلاً للقرآن في إتمام مهمّته كحافظٍ للكتاب، لأنّه يقول «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» (المائدة 5: 48).
وهناك سؤال أخير حول هذا الموضوع: ما هو موقف المدّعين بالتحريف من منطق الواقع الذي يضع حدّاً للنقاش في موضوع تحريف التوراة؟ لأنّه من غير المعقول أنّ اليهود حرّفوها قبل المسيح، وإلاّ لما صادق المسيح عليها واقتبسَ منها. ولا يُعقَل أن يكونوا غيّروها بعد المسيح وإلاّ لعارضهم المسيحيّون. وإنّه لمِن المستحيل أن يتّفق اليهود والمسيحيّون على تغيير محتويات الأسفار المقدَّسة لأنّهما أمّتان متضادتان أوّلاً، وثانياً لأنّ الكتاب المقدَّس قد انتشر في كلّ العالَم وبلغات متعدّدة، ولا سبيل إلى جمع نسخه الكثيرة جدّاً للعبث بها.
يبدو أنّك كالكثيرين، أخذت بحرفيّة نصّ القرآن. وقد فاتك العلم بأنّ القرآن نفسه ينقل إلينا شهادة الأمّة اليهوديّة عن صلبهم المسيح، إذ يقول: «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ» (النساء 4: 157). فالأمّة اليهوديّة نقلتْ هذا النبأ بالتواتر عبر العصور أباً عن جدّ إلى يومنا هذا. وليس شهادة اليهود قاتلي المسيح هي الدليل الوحيد على صلب المسيح، فهناك شهادات تؤيّد هذا الحدث العظيم لا يمكن نقضها، منها:
النبوّات: هذا دليل لا يمكن دحضه، فقد جاء في كتابات الأنبياء الذين أوحي إليهم عدد عديد من التنبّؤات عن الأمور التي رافقت موت المسيح على الصليب، كبيعه بثلاثين من الفضّة (زكريّا 11: 12)، وشراء حقل الفخّاري بثمنه (زكريّا 11: 13)، والتنكيل به قبل أن يُصلَب (المزمور 22: 16 - 17)، وأنّه يُثخَن بالجراح (إشعياء 53: 5)، وأنّه يتقبّل أوجاعه بصمت (إشعياء 53: 7)، وأنّه يُجلَد أثناء محاكمته ويُبصَق في وجهه (إشعياء 50: 6)، وأنّه يُستَهزأ به (المزمور 22: 12 ، 13)، وأنّه يُسقى خلاًّ (المزمور 69: 21)، وأنّ الجند يتقاسمون ثيابه بالقرعة (المزمور 22: 18)، وأنّه يتعجّب لماذا تركه الآب (مزمور 22: 1)، وأنّه يُطعَن بحربة (زكريّا 12: 10)، وأنّه يُصلَب بين اللصوص (إشعياء 53: 9)، وأنّ عظامه لا تُكسَر (المزمور 34: 20). فحين نقرأ العهد الجديد، نرى أنّ كلّ هذه النبّوات قد تمّت بالحرف.
شعار الصليب: هذا الشعار كان أداة تعارف بين المسيحيّين منذ عهدهم الأّول حين كانوا عرضة للاضطهاد. وقد نقشوه على أضرحة الموتى وفي السراديب التي كانوا يجتمعون فيها خوفاً من نيرون الطاغية. ويستطيع كلّ إنسان أن يشاهد ذلك إذا زار مدينة روما.
كرازة الرسل بالمسيح المصلوب: قال بطرس لليهود «يَسُوعُ... هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ» (أعمال الرسل 2: 22 - 24).
وقال يوحنّا «مِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلشَّاهِدِ ٱلأَمِينِ، ٱلْبِكْرِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ. ٱلَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ» (رؤيا 1: 5 ، 6).
إعلانات المسيح نفسه: لقد نقل إلينا كتبة الإنجيل طائفة من إعلانات المسيح، والتي مفادها أنّ عمله الخلاصي يستلزم موته على الصليب. أذكرُ لك واحداً منها على سبيل المثال «وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِداً إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ ٱلٱثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذاً عَلَى ٱنْفِرَادٍ فِي ٱلطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِٱلْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى ٱلأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (الإنجيل بحسب متّى 20: 17 - 19).
شهادة التواتر المسيحيّ: منذ فجر المسيحيّة وأتباع المسيح يمارسون فريضة العشاء الربّانيّ، التي تُدعى أيضاً شركة جسد المسيح ودمه. وهذه الفريضة رسمها المسيح في الليلة التي أُسلِمَ فيها. وأمر أن تُحفَظ تذكاراً دائماً على أنّ موت المسيح على الصليب أمر مؤكّد. وحين قال المسيح «هذا هو جسدي الذي يُبذَل عنكم. وهذا هو دمي للعهد الجديد الذي يُسفَك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا» كان يؤكّد أنّه يموت كفّارة عن الجنس البشريّ. وبالفعل فإنّ رسل المسيح مارسوا هذه الفريضة، وسلّموها للأجيال الصاعدة بحسب قول الرسول بولس «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ ٱلرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً: إِنَّ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هٰذَا هُوَ جَسَدِي ٱلْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. ٱصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي. كَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي. ٱصْنَعُوا هٰذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي» (1كورنثوس 11: 23 - 25).
شهادة التاريخ: لم يقف التاريخ موقف اللامبالي من موت المسيح، فقد أفرد المؤرّخون القدماء فصولاً مطوَّلة في سجلاّتهم. نذكر منهم المؤرّخ الوثني تاسيتوس (عام 55 ميلادي)، ولوسيان اليونانيّ (عام 100 ميلادي)، ويوسيفوس اليهودي الذي عاش بعد الصلب ببضع سنين. ورواياتهم كلّها متّفقة مع رواية الإنجيل عن ولادة المسيح وتعاليمه وصلبه وقيامته.
شهادة السجلاّت الرومانيّة: وأهمّها تقرير بيلاطس الذي أرسله إلى طباريوس قيصر، وفيه يذكر نشاطات المسيح والدعوى التي أقامها اليهود عليه. واضطراره للحكم عليه بالموت صلباً تجنّباً للفتنة. وكان هذا التقرير في مقدّمة الوثائق التي استند عليها العالِم المسيحيّ القدّيس ترتليانوس في دفاعه الشهير عن المسيحيّين.
شهادات السجلاّت اليهوديّة: معروف لدى العامّة أنّ اليهود هم الشعب الذي يتبع توراة موسى. وقلّ من يعرف أنّ الكتاب الدينيّ الأهمّ في نظر اليهود هو كتاب التلمود. وهذا الكتاب هو مجموعة تقاليد آبائهم التي توارثوها وأحلّوها مكان شريعة الله. الأمر الذي من أجله وبّخهم المسيح حين قال «أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ!» (الإنجيل بحسب متّى 15: 6). ففي صفحة 43 من هذا الكتاب يُقرأ: «لقد صُلِب يسوع قبل الفصح بيوم واحد. ونودِيَ أمامه أربعين يوماً أنّه سيُقتَل لأنّه ساحر وقصد أن يخدع إسرائيل ويضلّه».
شهادة القرآن: في القرآن خمسة نصوص على الأقلّ تؤيّد موت المسيح، ثلاثة منها تعبّر بكلمة «موت» أو «وفاة» (مريم 19: 33 آل عمران 3: 55 المائدة 5: 117) واثنان يعبّران عنه بكلمة قتل (البقرة 2: 87 آل عمران 3: 183).
قيامة المسيح: لعلّ قيامة المسيح أقوى الأدلّة على موته على الصليب، لأنّ الإنجيل المقدَّس يخبرنا أنّ يوسف من الرامة ونيقوديموس سألا بيلاطس أن يأخذا جسد يسوع، فوهبه لهما. فأنزلاه عن الصليب ولفّاه بأكفان مع أطياب كما لليهود عادة أن يكفّنوا، وكان في الموضع الذي صُلِب فيه قبر جديد لم يوضع فيه أحد قطّ. فهناك وضعا يسوع (الإنجيل بحسب يوحنّا 19: 38 - 42). ولكن في اليوم الثالث قبيل الفجر حدثت زلزلة عظيمة لأَنّ ملاك الربّ نزل من السماء ودحرج الحجر الضخم عن باب القبر. فمن خوفه ارتعد الحرّاس، الذين أقيموا بأمر من بيلاطس لحراسة القبر بعد أن ختمه الوالي بخاتمه. ولعلّ بهاء الملاك بهر أعين الحرّاس فلم يروا المسيح حين قام، ولكنّ الملاك نفسه أخبر مريم المجدليّة ورفيقاتها اللواتي جئن باكراً لزيارة القبر أنّ المسيح قام.
فالقيامة برهان لا يُنقَض على أنّ المصلوب هو يسوع المسيح، لأَنّ يسوع قال لليهود «ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 2: 19). وكلّ مَن يرفض هذه الحقيقة كأنّه يتّهم الله والمسيح والملائكة بالتواطوء لخداع الناس.
كان هدف اليهود من القضاء على يسوع منع الدعوة المسيحيّة من الانتشار، لأنّهم وجدوا في الإنجيل قضاءً على عنصريّتهم الضيّقة المتعصّبة. ولمّا استطاعوا إقناع السلطة الرومانيّة بإعدامه، ووُضِع في القبر ظنّوا أنّهم بلغوا الهدف. ولكنّ إنجيل الله لم تستطع قوّات الشرّ أن تحدّ منه، بل سرعان ما امتدّ إلى أقاصي الأرض، لأنّ الألوف انجذبت إلى صليب المسيح. فاليهود إذاً لم يبلغوا أربهم بل شُبِّه لهم. أي كما قال القرآن بعد ستّة قرون «وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً» (النساء 4: 157) لأَنّه قام في اليوم الثالث. وهكذا جاءت مقالة القرآن مصدّقة للحدث العظيم وقائلة «وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً» (مريم 19: 33)، «يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا» (آل عمران 3: 55).
والآن اسمح لي أن أتصدّى للرواية الطريفة التي أوردتها في رسالتك، والتي ليست سوى أقصوصة مُتداوَلة عند عامّة المسلمين، والتي خلاصتها أنّ إنساناً صُلِبَ بديلاً عن المسيح. فأقول إنّ إشارات الأنبياء قبل تجسّد المسيح بعدّة قرون تشير إلى موته الفدائي، وتصريحاتِ المسيح نفسه، تجعل رواية الشبه ليس اختلاقاً غير موفّق وحسب، بل أسطورة مسكينة جدّاً، حيكت من خيوط التخمينات والظنون الهزيلة. والتي أقلّ ما فيها من عيوب أنّها تُظْهِر الله عزّ وجلّ في مظهر الظالم والخادع. وأيّ ظلم أشدّ من هذا أن يضع الله شَبَه المسيح على إنسان آخر فيموت عوضاً عنه، دون أن يكون له رأي؟ وأيّ خداع أشرّ من أن يوحي الله للأنبياء بأنّ المسيح آتٍ ليفتدي العالَم بموته الكفّاريّ ليرفع خطيّته، ولكن حين تأتي الساعة يتراجع عن مخطّطه ويميت إنساناً آخر دون أن يعلّل الأسباب، تاركاً الناس عرضة للشكّ في صدقه؟ وهناك حقيقة لم تخطر في بالك، وهي أنّ الضحيّة، الذي ما كان ممكناً أن يُساق إلى الموت نيابة عن غيره، إلاّ ويملأ الدنيا صراخاً معلناً براءته!
أجل! إنّها رواية مسكينة يرفضها كلّ ذي عقل سليم، ولهذا رفضها ثقات علماء المسلمين وعلى رأسهم العلاّمة فخر الدين الرازي، الذي فنّدها تفنيداً محكماً، حاسباً إيّاها سفسطة أو قَدْحاً بالأخبار المتواترة. ويمكنك أن تقرأ تعليقه عليها في تفسيره الآية 55 من سورة آل عمران.
إنّ اتّخاذك من وجود عدّة أناجيل ورسائل دليلاً على تحريف الإنجيل فيه مدعاة للأسف، وكأنّك لا تعرف أنّ البشائر (الأناجيل) الأربعة والرسائل وسفر الرؤيا وسفر أعمال الرسل تؤلّف في مجموعها «العهد الجديد» وأنّ هذا العدد من الأسفار في العهد الجديد لا يعني إطلاقاً أنّ الإنجيل قد حُرِّفَ. كما أنّ وجود 114 سورة في القرآن لا يشكّل دليلاً على أنّ القرآن محرَّف.
إلى القارئ الكريم
إن رسالة الكاتب، كما يشير عنوان الكتاب، هي دعوة للفحص والاختبار. فامتحن معلوماتك بعد قراءة الكتاب بتمعن وأجب عن الأسئلة التالية وذلك بنسخ الأسئلة ونقلها على استمارة الاتصال في الموقع، وكتابة الإجابة أسفل كل سؤال.
ما الذي تفهمه من الآية 94 من سورة يونس؟
هل انتقادات القرآن وحملته العنيفة على الكفر والإشراك موجَّهة للمسيحيّين أم للمريميّين؟
بيّن الفرق بين عقيدة المسيحيّين في المسيح وبين بدعة المريميّين فيه؟
كيف يعتقد المسيحيّون في المسيح أنّه ابن الله؟
ما نوع الولادة المشار إليها في سورة الإخلاص؟ وهل هذا هو اعتقاد المسيحيّين؟
هل المسيح مجرّد نبيّ؟ وهل يجوز لنا أن نقارن بينه وبين غيره؟
كيف فسّر المسيح في الإنجيل الوصيّة الخاصّة بالطلاق؟
ما هو تعليم الإنجيل في الخمر والمسكرات؟
ما هي شهادة اليهود التي نقلها القرآن بخصوص صلب المسيح؟
اذكر بعض النبوّات المتعلّقة بموت المسيح؟
أين أعلن المسيح بأنّه سيموت مصلوباً وهو بعد حيّ؟
أيّة فريضة يمارسها أتباع المسيح تبرهن على موته وقيامته وعودته؟
هل في التاريخ ما يؤيّد دعوى الإنجيل عن صلب المسيح؟
كم نصّاً في القرآن يؤيّد موت المسيح؟
ما أقوى الأدلّة على موت المسيح على الصليب؟
ماذا حدث بعد موت المسيح بثلاثة أيّام؟
ماذا تفهم من كلمة «شُبِّهَ لهم»؟
مَن هو العالِم المسلم الذي رفض رواية الشبه أو بديل المسيح على الصليب؟
هل يشهد القرآن بصحة الإنجيل؟
هل يَسْلم القرآن إذا بقي الإصرار على القول بتحريف الكتاب المقدَّس؟
الرجاء استخدام الاستمارة الخاصة بالموقع للاتصال بنا:
www.the-good-way.com/ar/contact
إذا كنت لا تريد استخدام هذه الطريقة الالكترونية بامكانك ارسال اجاباتك عن طريق البريد العادي على العنوان التالي:
The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland