ردّ على كتاب أحمد ديدات: (صلب المسيح بين الحقيقة و الافتراء) وهو دحض لنظرية أن المسيح خطط لمحاولة انقلاب فاشلة, وبقي حياً بعد صلبه
Copyright © 2008 All rights reserved Good Way
Table of Contents
طالعنا السيد أحمد ديدات من جنوب إفريقيا بكتيب عنوانه "Crucifixion or Cruci-fiction " تُرجم للعربية بعنوان «مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء».
وننشر هنا ترجمة لكتيّب المحامي جون جلكريست من جنوب إفريقيا، وهو الذي اشترك في مناظرات كثيرة مع السيد ديدات ودحض مزاعمه - وهو هنا يردُّ على مزاعم ديدات وهو دَحضٌ لنظرية أنَّ المسيح خطَّط لمحاولة انقلاب فاشلة، وبقي حياً بعد صَلبه.
الناشرون
يشبه الكتاب المقدس سندان الحدَّاد الذي تحطمت عليه مطارق كثيرة، ورغم ذلك فإنَّ أعداء الإنجيل لا يكلّون من محاولة تحطيمه! وأحمد ديدات، المنتمي إلى «مركز نشر الدعوة الإسلامية» في دربن بجنوب إفريقيا هو أحد هؤلاء، فكتب كُتيّباً عنوانه : «هل صُلب المسيح؟» تمَّ توزيع مائة ألف نسخة منه، ثم شنَّ في كتيّبه بعنوان: «صَلْب المسيح، بين الحقيقة والافتراء» هجوماً جديداً على العقيدة المسيحية!
ومجمل موضوع كتيّبه هذا أنَّ المسيح كان صاحب طبع وخلق ضعيفين، وأنه دبَّر لانقلاب فاشل في أورشليم، وبطريق الصدفة بقي حياً بعد صلْبه. وهذه النظرية ليس لها سند في الإنجيل، كما أنها تتناقض مع القرآن الذي يذكر أنَّ المسيح لم يُعلَّق أبداً على صليب (سورة النساء 4: 157). ودعاة هذه النظرية هم فقط طائفة الأحمدية في باكستان، والذين تمَّ الإعلان عنهم أنهم أقلية «غير مسلمة».
ولا نعلم لماذا يناصر ديدات قضية طائفة مشبوهة، ولماذا يدعو إلى نظرية ملعونة من المسيحيين والمسلمين على السواء! وسنفنّد هنا ما جاء في كتيب ديدات، مركّزين فقط على الموضوع الذي نحن بصدده، دون التعرّض لموضوعات كثيرة في كتيِّبه خرج فيها ديدات عن صُلب الموضوع، أو لأنه كتب مجرد نظريات واحتمالات لا تمتّ للحقيقة والواقع بصلة.
يذكر ديدات في أول كتيّبه أنَّ المسيح خطَّط لانقلاب خلال الأسبوع الأخير الذي أمضاه في أورشليم، ولكن التخطيط فشل! وتحت عنوان «إنقلاب لم يتم» يقول ديدات: «... آماله الضخمة لن تتحقق. انتهى العَرْض نهاية هزيلة» (صفحة 10).
وإنها بالتأكيد مفاجأة لكل المسيحيين والمسلمين أن يسمعوا لأول مرة بعد ما يقرب من عشرين قرناً أنَّ المسيح كان يخطّط لانقلاب سياسي! مع أنَّ المسيح كان يحرص باستمرار أن يتجنّب التورّط في السياسة! لقد رفض أن يقحم نفسه في مناقشة حول أحقية دفع الضرائب للرومان المستبدين (لوقا 20: 19-26)، كما انسحب من وسط الجموع حينما أرادوا أن ينصّبوه ملكاً سياسياً (يوحنا 6: 15)، وعلَّم تلاميذه ألاَّ يسعوا وراء سلطة سياسية (لوقا 22: 25-27).
لقد بذل اليهود كل ما في استطاعتهم لإقناع بيلاطس الحاكم الروماني أنَّ المسيح كان يدعو لثورة ضد قيصر (لوقا 23: 2) ولكن بيلاطس لم يقتنع! بل حتى ديدات نفسه يناقض نفسه ويقول إنَّ هذه التهمة «كانت تهمة زائفة» وإنَّ المسيح يبدو غير مسبِّب لأي خطر. ولم يكن مشاغباً سياسياً، ولا إرهابياً معادياً للنظام (صفحة 27). ثم يقول: «لقد كانت مملكته روحية، وكانت رياسته لها كي ينقذ أمته من الرذيلة والانحلال» (صفحة 27).
لذلك يبدو أمراً بالغ الغرابة أن نجده يحاول في موضع آخر من كتيّبه أن يثبت أنَّ المسيح كان في الحقيقة يدبّر لانقلاب سياسي ليخلّص اليهود من مستعمريهم. لكن تعليقاته في صفحة 27 من كتيّبه - ودون أن يدري - سحبت البساط من تحت أطروحته ونظريته، إذ اعترف أنَّ المسيح لم يكن يخطط لثورة.
على أنَّ هذه النظرية لا يقرُّها عقل! ومع ذلك فإنَّ ديدات حاول برهنتها بإشارته إلى قول المسيح لتلاميذه (عند القبض عليه) إنهم يجب أن يبيعوا ثيابهم ويشتروا سيفاً (لوقا 22: 36). ويفسر ديدات هذا القول بأنَّ المسيح كان يدعوهم للتسلُّح والاستعداد «للجهاد» و «الحرب المقدسة»! على أنَّ إجابة التلاميذ على تعليق المسيح تبيّن خطأ ديدات، فقد أجابوا: «يَا رَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ. فَقَالَ لَهُمْ: يَكْفِي!» (لوقا 22: 38).
ومن المستحيل أنَّ سيفين «يكفيان» لتدبير ثورة! فمن الواضح أنَّ المسيح كان يعني: «يكفي من هذا!» (أي من عدم فهمكم لما أقول). ولكن لأنَّ ديدات يحاول إقناع قرائه أنَّ المسيح كان يخطط لانقلاب، أجهد نفسه مجادلاً بأنَّ سيفين كانا كافيين للإطاحة بكل النظام اليهودي في إسرائيل، ثم بمستعمريهم الرومان. وكما هو متوقَّع، فإنَّ جداله لا يمكن أن يصل لدرجة الإقناع. وهو يلجأ هارباً إلى الخيال، محاولاً الإيحاء أنَّ تلاميذ المسيح كانوا «مسلَّحين بعصيّ وحجارة» (صفحة 13) كغوغاء متمردين. ولا يوجد في الإنجيل أيُّ دليل يؤيد هذا الزعم الذي يثيره ديدات، ولكنه يخرج عن منطق الأحداث ويقول إنَّ المسيح اعتبر أنَّ سيفين يكفيان لتدبير ثورة كبيرة! وفي موضع آخر يقول ديدات: «كان تلاميذه الأقربون دائماً لا يفهمونه ولا يفهمون أعماله» (صفحة 23).
وكلمة «دائماً» مطبوعة بحروف بارزة! ومرة أخرى يناقض ديدات نفسه بغير فطنة! فلو أنّ المسيح كان يقصد أن يسلّح تلاميذه (كما يزعم ديدات) يكون التلاميذ قد فهموه تماماً. على أنّ الحقيقة هي أنهم أساءوا فهمه. والدليل على ذلك موجود في نصّ الإنجيل، فالمسيح يقول: «فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ ٱنْقِضَاءٌ» (لوقا 22: 37).
والمسيح هنا يقتبس ما ورد في سفر إشعياء أصحاح 53، وهو أصحاح نبوي كُتب حوالي سبعمائة سنة قبل المسيح، وفيه تنبأ إشعياء بآلام المسيا نيابة عن شعبه، وقال إنه سيقدّم نفسه ذبيحة خطية (إشعياء 53: 10). والآية الكاملة التي اقتبسها المسيح هي: «لِذٰلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِزَّاءِ وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ» (إشعياء 53: 12).
وقال المسيح بوضوح إنّ هذه النبوة كانت على وشك أن تتحقق فيه، ومعناها واضح بكل جلاء. سوف «يسكب للموت نفسه» في اليوم التالي على الصليب، وسوف «يُحصَى مع أثمة» (وقد تمَّ صلبه بين لصّين - لوقا 23: 33)، وأيضا سوف «يحمل خطية كثيرين» لما قدّم نفسه كفّارة عن خطايا العالم على الصليب وسوف «يشفع في المذنبين». لقد صلى من أجل قاتليه وهو على الصليب (لوقا 23: 34). ومن أجل عمل النعمة هذا فإنّ الله سيعطيه «مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ» (إشعياء 53: 11). كما سوف يعطيه «غنيمة انتصاره» - نبوّة صريحة عن قيامته من الأموات.
يتجاهل ديدات كل تصريحات المسيح، لأنها تتعارض مع غرضه! لكن من الواضح أنّ المسيح كان يتوقع صلبه وموته وقيامته من الأموات كمخلّص للعالم، وأنّه لم يكن يخطط لانقلاب. كانت الأحداث الوشيكة الوقوع ستأخذ المسيح من بين تلاميذه، وكانت تحريضاته لهم ليشتروا «أكياساً ومزاود وسيوفاً» تعبيراً دارجاً نصحهم به ليستعدّوا لكسب معيشتهم عندما يفارقهم.
ترتكز نظرية ديدات عن الانقلاب الفاشل على زعمه أنّ دخول المسيح أورشليم قبل ذلك بأسبوع واحد، وسط جمع من التلاميذ يهللون له كالمسيا، كان زحفاً نحو أورشليم. ويقول: «أخفق الزحف نحو أورشليم» (ص 21).
وتحت عنوان «زحف نحو أورشليم» يسلم ديدات أنّ المسيح دخل المدينة بصورة رمزية راكباً على جحش، وليس الجحش وسيلة انتقال تصلح لانقلاب، ولكن المسيح اختار هذه الوسيلة لأنّ الجحش يرمز للسلام وليونة الطبع، وقد أراد بذلك أن يُظهر لأورشليم أنه قادم إليها في مهمّة سلام متمّماً وعد الله المسجَّل في نبوّة أخرى جاءت من قرون عديدة ماضية: «ابْتَهِجِي جِدًّا يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ» (زكريا 9: 9).
لقد جاء في وداعة وسلام راكباً حيواناً يرمز إلى غرضه «وَيَتَكَلَّمُ بِٱلسَّلاَمِ لِلأُمَمِ». هكذا تستمر النبوة في سفر زكريا 9: 10. فما أسخف وما أغرب لا معقولية زعم ديدات أنّ المسيح كان على رأس «زحف» أو أنه كان يحرّض على «كفاح مسلَّح» عنيف حسب ما يحدث في أيامنا هذه!
ويتجاهل ديدات - حسبما يمليه عليه هدفه ويناسبه - أنّ المسيح وهو على وشك أن يُقبض عليه سأله تلاميذه: «يَا رَبُّ، أَنَضْرِبُ بِٱلسَّيْفِ؟» (لوقا 22: 49). وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. ولكن المسيح وبَّخ تلميذه وشفى الرجل الذي جُرح. وفي هذا برهان على أنّ المسيح لم يكن يخطط لانقلاب مدمّر بأي حال من الأحوال، ولكنه قدَّم أسمى لفتة حب للعالم، وهو الذي جاء ليموت على الصليب من أجل خطايا الإنسان، تحقيقاً للنبوة القديمة «وَأُزِيلُ إِثْمَ تِلْكَ ٱلأَرْضِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ» (زكريا 3: 9).
لقد حلَّ هذا اليوم، وكان المسيح يعدّ نفسه «ليتمم فداءً أبدياً»(عبرانيين 9: 12) بحَمل خطايا العالم في يوم الجمعة العظيمة، والذي لأجله قد جاء.
إنّ ادّعاء ديدات أنّ المسيح كان يخطط لانقلاب فاشل إهانة بالغة لجلال نعمة المسيح، وتهكُّم سيّء لا يتوقعه إنسان من ديدات الذي يُفْترض فيه أنّه يؤمن أنّ المسيح من أعظم الرجال الذين عاشوا على مرّ العصور.
وواضح من كتابة ديدات أنه لم يؤدِّ أي تدريبات عسكرية. وجهله بهذا الميدان ينكشف في صفحة 14 من كتيّبه حيث يزعم أنّ المسيح اصطحب بطرس ويعقوب ويوحنا معه إلى بستان جثسيماني كخط دفاع داخلي، بينما كان يحرس البوابة ثمانية آخرون. ويزعم ديدات أنّ هذا كان تكتيكاً بارعاً «يستحق أن يُكرّم من أجله أي ضابط تخرّج من ساند هرست - وهي أكاديمية عسكرية ذائعة الصيت في إنجلترا» (صفحة 14). وقد علّق ضابط سابق بالجيش البريطاني على هذا الزعم أنه لم يسمع مطلقاً بمثل هذه الأشياء تُدرّس في ساند هرست!! ويقول ديدات عن الثمانية تلاميذ الذين تركهم المسيح عند مدخل البستان إنه «يمركزهم بخطة استراتيجية عند مدخل البستان مدجّجين بالسلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح» (ص 14).
ويستطرد قائلاً إنّ المسيح أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا «هؤلاء المملوئين غيرة، والمتطرفين في الحماسة (الإيرلنديون المحاربون في عصرهم)» (صفحة 14)، ليجهّز خط دفاعه الداخلي.
ولكن جدل ديدات يتداعى أمام التحليل الدقيق. لقد كان بطرس ويعقوب ويوحنا صيادي سمك مسالمين من الجليل (كان واحد فقط من تلاميذ يسوع يُدعى الغيور ولكنه لم يكن أحد هؤلاء الثلاثة - لوقا 6: 15) ولقد كانوا الدائرة الأقرب له من بين تلاميذه طوال فترة خدمته. ففي مناسبة التجلي صعد هؤلاء الثلاثة فقط معه الجبل، بينما اختلط باقي التلاميذ بالجماهير أسفل الجبل (متى 17: 1، 14-16). وحينما أقام المسيح ابنة يايرس من الموت، اصطحب معه نفس التلاميذ الثلاثة إلى داخل المنزل (لوقا 8: 51). وهذا يُظهر لنا بوضوح أنّ المسيح لم يكن يخطّط لدفاع بارع في جثسيماني عندما اصطحبهم معه إلى داخل البستان. لقد كان ينشد رفقتهم في مناسبة هامة لأنهم الصُّحبة الحميمة وأقرب تلاميذه إليه. كل هذا يُظهر بصفة قاطعة أنّ نظرية ديدات أنّ المسيح يخطط لانقلاب، هي كلام خالٍ من المعنى وغير معقول.
من الغريب في كتيّب ديدات الصورة التي يقدّم بها المسيح، لأنّ المفروض أن يحترم المسلمون المسيح كالمسيّا وأحد أعظم أنبياء الله. ولكن في كتيّب ديدات تصريحان فيهما اعتداء صارخ على المسيحيين، وفيهما بالتأكيد إيذاء للمسلمين المخلصين الذين تعلموا أن يحترموا المسيح كرجل فضيلة وكرامة.
اسمع ديدات يقول: «لقد أخفق المسيح في أن ينتبه إلى تحذير الفريسيين ليضع حداً لحيوية ونشاط تلاميذه الزائدَيْن (لوقا 19: 39). لقد أخطأ حساب المعركة وعليه الآن أن يدفع ثمن فشله» (ص 10).
وفي صفحة أخرى يقول: «أخطأ المسيح في الحساب خطأ مزدوجاً» (صفحة 19)، وذلك حينما ظنَّ أنّ باستطاعته الاعتماد على تلاميذه للدفاع عنه، وأنه لن يحتاج للتعامل إلا مع اليهود فقط. وكما لو أنّ هذه المزاعم لم تكن كافية للإساءة إلى المسيح، يستطرد ديدات ليتكلم عن «أنّ يسوع كان ينفث غضباً». ويملأ ديدات مكيال افتراءاته بقوله: «إنّ المسيح كان أبأس الرسل حظّاً» (ص 23).
ليس لدينا أدنى شك أنّ المسلمين لا بد يعتبرون هذا التصريح في غاية العدوانية، ولا يتردد المسيحيون في اعتباره تجديفاً. وبالرغم من ذلك فلسنا نرغب أن نعبّر عن سخط عاطفي، بل أن نوضح كم هي غبيّة وواهية مزاعم ديدات!
إنّ كل ما نحتاج إليه هو تحليل سريع للساعات الأخيرة في حياة المسيح قبل صلبه، ليتضح أنه لا أساس بالمرة للادّعاء بأنّ المسيح أخطأ في حساباته، أو أنه كان ينفث غضباً. فإنّ كل ما قاله المسيح في آخر ليلة أمضاها مع تلاميذه يُظهر إدراكه الكامل لكل ما كان سيحل به، واستعداده لأن يتحمل ذلك. لقد كان يعرف أنّ يهوذا الإسخريوطي سيخونه (مرقس 14: 18)، بل إنه كان يعرف ذلك لمدة طويلة (كما يتضح من يوحنا 6: 64). وكان يعرف أنّ بطرس سينكره ثلاث مرات (متى 26: 34). كما تنبّأ بأنه سيتم القبض عليه، وأنّ كل تلاميذه سيتخلّون عنه (مرقس 14: 27). ولسنا نجد أيّ سند بالمرة لزعم ديدات أنّ المسيح «كان يأمل أن يحارب تلاميذُه لإنقاذه، وأنه أخطأ في تقديراته». فقد كان المسيح يقدّر بالضبط ما سيحدث، وتنبّأ بكل ما فعله تلاميذه جميعاً، وقد حدث بالتمام ما قال إنهم سيفعلونه.
لقد قال لهم باستمرار في تلك الليلة المصيرية إنه على وشك أن يتركهم (يوحنا 13: 33، 14: 23، 28، 16: 5) ويجب أن لا تخور عزيمتهم حيث أنّ آلامه ستكون متمشِّية تماماً مع ما ورد في نبوّات الأنبياء السابقين (لوقا 22: 22). وعندما جاء اليهود أخيراً للقبض عليه - واستبعاداً لأن يكون هناك إعداد لأي نوع من أنواع الدفاع - سلَّم نفسه لأعدائه، كما نقرأ: «فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ تَطْلُبُونَ؟ أَجَابُوهُ: يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ. قَالَ لَهُمْ: أَنَا هُوَ. وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ»(يوحنا 18: 4 و5).
«تقدّم يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه» كان يعلم أنّه سيُصلب ويُقتل، ولكنه سيقوم من بين الأموات في اليوم الثالث، كما تنبّأ بذلك مراراً بكلام صريح (متى 17: 22، 23، و20: 19 ولوقا 9: 22، و18: 31-33). لم تكن هناك أيّ حاجة لتصفية حساب مع اليهود. فلو أراد المسيح أن يتجنَّب القبض عليه لغادر أورشليم قبل حدوث ذلك! غير أنه ذهب إلى ذات المكان الذي علم أنّ يهوذا الإسخريوطي سيقود اليهود للبحث عنه فيه (يوحنا 8: 2)، وعندما حضروا سلَّم نفسه إليهم طواعية. وأكثر من هذا، إنّ المسيح لم يكن في حاجة للمجهودات الشجاعة لأحد عشر تلميذاً للدفاع عنه! فقد قال بوضوح إنه كان يقدر أن يستدعي اثني عشر جيشاً من الملائكة ليساعدوه، لو أنه أراد ذلك (متى 26: 53). علماً بأنّ ملاكاً واحداً فقط كان يقدر أن يبيد مدناً وجيوشاً (2صموئيل 24: 16، 2ملوك 19: 35) وإنّ المرء ليرتعد رعباً من التفكير فيما كان اثنا عشر جيشاً من الملائكة سيفعلونه لحمايته، لو أنه استدعاهم ليفعلوا ذلك.
ليست هناك إذن أيّة قيمة لزعم ديدات أنّ المسيح كان يتآمر ويخطط، وأنّه فشل نتيجة سوء تقديره. على العكس من ذلك، فإنه كان يعلم بالتدقيق ما سيحدث له! وبقدر ما هو مستبعدٌ تماماً أن يكون «فاشلاً» فقد أصبح أكثر الناس الذين عاشوا في أيّ عصر نجاحاً - فهو الرجل الأوحد الذي أقام نفسه من الأموات إلى حياة ومجد أبديّين. ابراهيم مات وموسى مات، وكل البشر ماتوا ولا زال الموت يمسك بهم في قبضته إلى يومنا هذا. أما «مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فَقَدْ أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ ٱلإِنْجِيلِ» (2تيموثاوس 1: 10). لقد انتصر على الموت وصعد إلى السموات حيث دوماً يسود. فيا لهول إهانة ديدات وافتراضه أنّ المسيح أكثر رسل الله سوء حظ. مع أنّه أعظم رجل عاش على مرّ العصور!
لقد وضح الآن - كما سيتضح أكثر فيما يلي - أنّ كتيّب ديدات ما هو إلا تشويه وتحريف للكتاب المقدس. فهو يحرّف معنى النصوص التي يشعر أنه يمكن أن يلويها لخدمة غرضه، كما أنه يخفي ويتجنّب نصوصاً أخرى لأنها تدحض نظرياته تماماً.
يحاول ديدات (في صفحة 28 من كتيّبه) أن يشكك في رواية الإنجيل عن صلب المسيح بإثارة الجدل حول نبوّة وردت في سفر إشعياء 53: 7 بأنه لن يفتح فمه دفاعاً عن نفسه عند محاكمته، ولكنه سيُقاد إلى الصليب «كَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ». وواضح من النبوّة أنها لا تعني أنّ المسيح لن يقول شيئاً عند القبض عليه، بل بالأحرى أنّه لن يحاول الدفاع عن نفسه أمام من يتَّهمونه. ويستند ديدات في جدله على تصريحات معيَّنة أدلى بها المسيح، ويحاول أن يستخرج منها دفاع المسيح عن نفسه ضد من اتَّهموه.
ويَسخر ديدات من المسيح متسائلاً عمّا إذا كان قد تكلَّم «وفمه مغلق» لما قال لبيلاطس إنّ مملكته ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 36). وعندما طُلب من أحد خدام رئيس الكهنة أن يشهد إن كان المسيح قد قال شيئاً رديئاً (يوحنا 18: 23) وعندما صلَّى إلى الله أن تعبر عنه كأس الآلام التي تنتظره، إن أمكن (متى 26: 39).
وجدير بنا أن نشير أنه ولا واحدة من هذه التصريحات صدرت عن المسيح أثناء محاكمته العلنية أمام السنهدريم (المحكمة العليا للأمة اليهودية) في منزل قيافا رئيس الكهنة، أو أمام بيلاطس البنطي الحاكم الروماني. فالتصريح الأول قاله المسيح لبيلاطس أثناء محادثة خاصة في منزل الحاكم الروماني، والثاني أثناء مثوله أمام حنّان حمي قيافا (وليس ذلك أمام السنهدريم) أثناء محاكمته كما يدَّعي ديدات (صفحة 28). فالمحاكمة بدأت بعد ذلك في منزل قيافا كما يذكر الإنجيل بوضوح (يوحنا 18: 24 ومتى 26: 57)، والعبارة الثالثة قالها يسوع في بستان جثسيماني قبل القبض عليه. فالدليل الذي يقدّمه ديدات ليس له صلة إطلاقاً بالنقطة التي يثيرها، وهو بذلك لا يثبت شيئاً بالمرة. والذي يعنينا هو ما إذا كان المسيح قد دافع عن نفسه أمام السنهدريم في منزل قيافا، أو أثناء محاكمته العلنية أمام بيلاطس. وليس من قبيل المفاجأة أن نجد ديدات يتجاهل ما ذكرته الأناجيل عن هاتين المحاكمتين الرسميتين. فبعد أن سمع قيافا الأدلة المقدَّمة ضد المسيح أمام السنهدريم، طلب منه أن يجاوب على من يتهمونه. «فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هٰذَانِ عَلَيْكَ؟ وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً» (متى 26: 62 و63).
وبدلاً من أن يدافع عن نفسه شهد للتوّ - رداً على السؤال التالي - بأنّه حقاً ابن الله، وهي شهادة دعت السنهدريم أن يحكم عليه بالموت. «وأما يسوع فكان ساكتاً». وبالمثل أيضاً نقرأ أنه حينما وجَّه إليه بيلاطس نفس السؤال، لم يفتح المسيح فمه ليقول أيّ شيء دفاعاً عن نفسه: «وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ ٱلْوَالِي جِدّاً» (متى 27: 12-14).
على أنّ ديدات يراوغ فيخفي هذه الوقائع التي تكشف لنا بوضوح أنّ المسيح كان صامتاً أمام السنهدريم حينما تقدّم شهودُ زورٍ يتَّهمونه، كما لم يعط جواباً، ولا عن تهمة واحدة، حينما اتَّهموه أمام بيلاطس. وحسبما هي طريقة ديدات التقليدية فإنه يكتم الأدلة ذات الصلة المباشرة بالموضوع الذي يتكلم عنه، ويحاول بدلاً من ذلك أن يثير جدلاً مستخدماً مناسبات أخرى لا صلة لها بالموضوع!
ولقد حدث نفس الشيء عندما ظهر المسيح أمام هيرودس ملك اليهود، قبل إعادته إلى بيلاطس: «وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدّاً، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَاهُ يَصْنَعُ آيَةً. وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِٱشْتِدَادٍ» (لوقا 23: 8-10).
مرة أخرى حينما اتُّهم يسوع لم يجب بشيء. وفي كل مناسبة حينما كان يُحاكم أمام السنهدريم أو هيرودس أو بيلاطس لم يقل أي شيءإطلاقاً دفاعاً عن نفسه، وهكذا تحققت نبوّة إشعياء بأنه لن يدافع عن نفسه عند محاكمته، ولن يفتح فمه ليتكلم عن نفسه. ولم يصدر أيٌّ من الأقوال التي استشهد بها ديدات أثناء محاكمة المسيح، وهكذا تنهار تماماً واحدة أخرى من مجادلات ديدات ومغالطاته!
لم نتوقف عن التعجّب من متابعة ديدات وهو يدعّم نظريته أنّ المسيح قد صُلب فعلاً ولكنه نزل من على الصليب حيّاً! ومصدر تعجُّبنا أمران:
(1) لا يعتنق هذا الرأي إلا طائفة الأحمدية الملحدة في الإسلام، وهي نظرية ينكرها جميع المسيحيين والمسلمين الحقيقيين.
(2) هذه النظرية قد فُنِّدت مرة ومرات! ومع ذلك فإنّ ديدات مستمر في مناصرتها، رغم أنه لا يستطيع أن يردّ على ما أُثير ضدها.
وعلى سبيل المثال، في (صفحة 36) من كتيِّبه يدَّعي أنَّ الجندي المكلَّف بحراسة المسيح على الصليب، عندما «رأى أنَّه قد مات» (يوحنا 19: 33)، فإنَّ هذا الجندي «قدَّر» أنّ المسيح مات مع أنه لم يكن هناك ما يؤكد موته.
ويقول: «قدّر ذلك لأنه لم يكن عنده جهاز استيذوسكوب للتحقق من الوفاة!» وما أغرب كلام ديدات! إنّ مراقبة الجندي وتقريره هما أعظم دليل على أنّ المسيح مات فعلاً. لقد كان على الجندي أن يُثبت أمام الحاكم الروماني أنّ الرجل المصلوب قد مات فعلاً، فإذا أخطأ الجندي كان يفقد حياته. نقرأ: «فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ ٱلْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟ وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ ٱلْمِئَةِ، وَهَبَ ٱلْجَسَدَ لِيُوسُفَ» (مرقس 15: 44و45).
لقد أدرك القائد الروماني أنه ما دام الجندي قد أكّد موته، إذن فهذا أمر حقيقي. لأنّ القانون الروماني كان يقتل الجندي الذي يسمح بفرار سجين. وعندما نجا بطرس من السجن في أورشليم، نفّذ هيرودس حكم الموت في كل الجند المعيَّنين لحراسته (أعمال 12: 19). وأيضاً عندما ظنّ حارسٌ آخر أن بولس وسيلا قد فرّا من السجن «ٱسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ» (أعمال 16: 27)، غير أنه اكتشف أنهما لم يهربا. لقد فضّل الانتحار على أن ينفَّذ فيه حكم الموت. فماذا كان ذلك الجندي يتوقعه إذا نجا رجل محكوم عليه بالموت بسبب ملاحظات أدلى بها بإهمال وعدم اهتمام؟ هذا الجندي إذن ودون سواه هو الشاهد الذي يوثق بشهادته فيما يتعلَّق بموت يسوع على الصليب!!
ورغم هذا الدحض القاطع لافتراض ديدات أنّ الجند «قدّروا فقط» أنّ المسيح مات، فإن ديدات يستمر في نفس الجدل القديم. فهو من وقت لآخر يتجاهل الدليل القاطع ضد نظريته، ويعيد تقديمها. إنه لمحامٍ ضعيف ذلك الذي لا يستطيع غير تكرار مقولاته الأولى، والتي تمَّ دحضها كلية بواسطة خصمه!
لقد ذكر الجندي بصفة قاطعة أنّ المسيح مات، ولم يكن هذا كل الأمر، فإنّ أحد الجند طعنه بحربة في جنبه، وهو عمل يُقصد به تأكيد موته. لقد كان الطعن بالسيف إحدى الطرق الرومانية المعتادة لقتل الناس. وهذا هو بالضبط ما فعله الجندي الذي طعن جنب المسيح. وحتى لو كان المسيح في أتم صحة، فما كان يستطيع بأيّ حال أن يبقى حيّاً بعد هذه الطعنة. لكن ديدات - ويا للسخرية - يقول إنّ هذه الطعنة القاتلة «جاءت كنجدة للمسيح ساعدت على إحيائه بأن حرّكت دماءه حتى استعادت الدورة الدموية إيقاعها» (صفحة 39). وبالتأكيد فإنه ولا حتى أكثر قرائه سذاجة يقبل مثل هذا الهراء: أنّ طعنة حربة قاتلة في جنبه يمكن أن تساعد في إحيائه!! فعندما يلجأ شخص لمثل هذه السخافات يصبح واضحاً أنّ جدله يفقد كل قيمة.
سيجد القارئ بضعة صفحات في كتيب ديدات تحتوي على مثل هذه السخافة، عندما يتكلم عن المناسبة التي جاءت فيها مريم المجدلية لتدهن جسد المسيح بالحنوط بعد وقت قصير من صلبه، فيقول: «بعد ثلاثة أيام يكون الجسد قد تحلل من الداخل - تتحلل خلايا الجسد وتتعفن. فإذا دلّك أحدٌ مثل هذا الجسد الفاسد فسوف يتفتّت أجزاء صغيرة» (صفحة 44).
هذا أيضاً جهل علمي مطلق. لقد مات المسيح في وقت متأخر بعد ظهر يوم الجمعة، وبعد يوم واحد وليلتين فقط بعد ذلك (كما يقرّ بذلك ديدات في نفس الصفحة) جاءت مريم المجدلية لدهن جسده بالحنوط. ولا يمكن أن «يتفتت» جسد خلال فترة قصيرة كهذه. وبحروف بارزة يضيف ديدات أنّ مريم جاءت إلى القبر «بمفردها» فيما يُظن لتساعد يسوع على استعادة أنفاسه! على أننا في متّى 28: 1 ولوقا 24: 10 نرى أنها كانت برفقة امرأتين أخريين على الأقل، يونّا ومريم أم يعقوب، وذلك فقط ليُحضرن حنوطاً كنّ قد أعددنه حسب عادة اليهود في الدفن. ليس هناك إذن أي سند لمجادلات ديدات. إن صلب المسيح وموته وقيامته حقائق تاريخية، أما الخيال الوحيد فهو نظرية ديدات التي يفترض فيها أنّ المسيح استمرّ حياً ولم يمُت على الصليب، وأنه استردّ حيويته بعد ذلك في رطوبة القبر!
ولن نتعرض لواقعة زحزحة الحجر، وما إذا كان المسيح قد حاول أن يعرّف تلاميذه أنه لم يكن قد مات، كما لن نتعرض لموضوع «آية يونان» وهما موضوعان تعرّض لهما ديدات في كتيّبه، فقد أجبنا عليهما بشمول كامل في الكتيب الثاني من هذه السلسلة تحت عنوان «ماذا كانت آية يونان النبي؟».
وهناك زعم آخر يكرره ديدات رغم دحضه، وهو إيحاؤه أنّ المسيح لم يكن راغباً في الموت، مع أنّ الحقيقة هو أنّ المسيح كان كارهاً فقط لأن يتركه أبوه ويتخلى عنه لمملكة الخطية ولأذى الناس الأشرار. ولقد وصل هذا أقصاه في البستان، في الليلة السابقة للصلب، عندما جاءت الساعة التي سيُسلّم فيها للأشرار (متى 26: 45). ولو أنه كان كارهاً للموت، فإنّ خوفه كان سيبلغ ذروته عند مواجهة الصلب في اليوم التالي. لكنه بعد أن تقوّى في الليلة السابقة بواسطة ملاك جاء لخدمته (لوقا 22: 43) واجه الموت بشجاعة رائعة. سار للأمام بهدوء وهو عالم بكل ما كان ينتظره، واثقاً أنه سينتهي به حتماً إلى الصلب والموت - ثم إلى القيامة والارتفاع.
لقد تحمّل كل العذابات التي حلّت عليه في اليوم التالي، وبدون أدنى علامة للخوف أو الاحتجاج أسلم نفسه ليُصلب. عندما أخذوه خارج أورشليم أظهر اهتماماً أكبر بنساء المدينة وأولادهن مما أظهره لنفسه (لوقا 23: 28). وعلى الصليب اهتمّ فقط بمن حوله دون نفسه (يوحنا 19: 26 و27). والحق أننا بدلاً من أن نجده كارهاً للموت، نكتشف في روايات الإنجيل أنه ثبّت وجهه نحو الصليب. ورغم الفرص الكثيرة التي كانت أمامه لتجنُّب الموت فإنه لم يمسك بها، بل استمر في طريقه، عازماً على تخليص الناس من خطاياهم.
وها هي واحدة أخرى من مجادلات ومزاعم ديدات تنتهي إلى لا شيء! كما نجده يتخبّط بشكل ملحوظ في موضع آخر حيث يقول: «لأن الله العلي القدير لن يسمح أبداً بقتل «الممسوح» منه بالحقيقة الذي هو المسيح» (تثنية 18: 20) (صفحة 15).
ليس هناك سند لافتراض أنّ الله لن يسمح لمسيحه أن يُقتل، لأنه توجد نبوّة محتومة محددة في نبوات النبي العظيم دانيال أن «يُقْطَعُ ٱلْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ» (دانيال 9: 26). وقد أخذ اليهود من كلمة «المسيّا أو المسيح» الورادة في هذا النص تسميتهم للمخلص المنتظر للعالم «بالمسيّا». ومع ذلك لا زال صواباً أن نقرأ في نصّ النبي دانيال أنَّ هذا المسيّا عينه سوف يُقطع - وهي نبوّة واضحة عن صلب المسيح وموته.
ويخدعنا ديدات بصفة خاصة حينما نجده يستشهد بسفر التثنية 18: 20 كشاهد كتابي يشير إلى مجيء «الممسوح» أو «المسيح» - مع أنّ ديدات في كتابه «ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد؟» يقول إنَّ نبوّة التثنية 18 هي عن محمد! ولقد برهنّا أنها نبوّة عن المسيح - وليس ممسوح من الله ( بحسب القرآن) إلا واحد هو ابن مريم (سورة آل عمران 45) - وجميل أن نلاحظ كيف انزلق ديدات في خطأ آخر من أخطائه ليعزو النبوّة للمسيح.
ولعل أكثر حجج ديدات منافاةً للعقل قوله إنّ المسيح طلب النجاة في بستان جثسيماني، فظهر له ملاك من السماء يقويه «أملاً في أنه سينقذه» (صفحة 35). ثم يقول ديدات إنّ الله وضع في فكر الجنود أنّ المسيح مات على الصليب «علامة من علامات مشيئة الله في إنقاذه» (صفحة 36). ويقول ديدات إنّه بعد ساعات من الضرب والجلد وغرز الشوك في الرأس، وتسخير المسيح ليحمل صليبه، ثم يُصلب، فيُغمى عليه، ويكون على حافة الموت بعد ساعات، ويتحمل بعد ذلك طعنة حربة في جنبه، ثم «ينقذه» الله ويخدع كل الناس ليظنوا أن المسيح مات، بينما كان هو على «حافة الموت».
ونحن لا نرى منطقاً في مثل هذا الجدل - فلو أنَّ الله أراد أن ينقذ المسيح لرفعه فوراً (كما يعتقد معظم المسلمين). وأيّ نوع من التشجيع والتقوية يمكن أن يقدمه ملاك، إن كان الله سيتدخّل لينقذ المسيح بعد ساعات طويلة من العذاب والألم؟!
لم تكن هناك ضرورة لكل هذا العذاب، ويكون إنقاذ الله قد جاء متأخراً.
لم تكن هناك تعزية للمسيح لو عرف أنّه يواجه عذابات الصليب، التي ستنتهي بنجاته وهو على «حافة الموت».
لو أنّ المسيح أُنزل حياً من على الصليب، وهو على حافة الموت - والجميع يظنون أنّه مات - لما رأى أحد كيف أنقذه الله، ولا كيف تدخَّل سبحانه لإنقاذه! ولاعتقد الكل أنَّ هذه مصادفة ناتجة عن هلوسة!
إنَّ حجج ديدات تناقض تسلسل الحوادث التي جاءت في الإنجيل. والحقيقة هي أنَّ المسيح كان على حافة الانهيار الجسدي وهو يرى آلامه من أجل الخطية - وكان قد قال لتلاميذه إنّه حزين جداً حتى الموت (مرقس 14: 34). وسمع الله صلاته، وأعطاه الملاك قوة ليستمر ويتحمل الصلب والموت، وهكذا يتمم رسالته ويحرر الخطاة من الخطية والموت وجهنم.
إنّ إنقاذ المسيح والحيلولة دون موته وهو على حافة الموت بعد ساعات من الألم المرير على الصليب، كان سيعتبر إنقاذاً متأخراً خالٍ من الأحاسيس، وفي غير الوقت المناسب، مصحوباً بفترة طويلة مؤلمة لاستعادة الحيوية من محنة مرعبة. أما إنقاذه بإقامته من الأموات في مجد وفي أتم صحة فهو أمر معقول ومنطقي، كما أنّه في الواقع السَّرد الإنجيلي الحقيقي لواقعة الصَّلب.
ونصل الآن إلى مجادلة ديدات بأنَّ المسيح قد أخفى شكله بعد أن استمر حيّاً ولم يمُت على الصليب، حتى لا يتعرّف عليه أحد! وأطلق ديدات على ذلك «التنكُّر المتقن» (صفحة 49). يزعم ديدات أنَّ المسيح لما قابل التلميذين في الطريق إلى عمواس في يوم خروجه من القبر حياً (لوقا 24: 15)، أخفى شخصيته، إلى أن كشف عنها عندما كسر الخبز أمامهما، ثم غادرهما. فهو يحاول أن يقلل من أهمية هذا الحدث في الإنجيل، والذي له مغزى أبعد عمقاً وإثارة. ومن المفيد هنا أن ننقل ما حدث تماماً: «فَلَمَّا ٱتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ ٱخْتَفَى عَنْهُمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِباً فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي ٱلطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا ٱلْكُتُبَ؟» (لوقا 24: 30-32).
المشهد الدرامي هنا يتكشَّف سريعاً. فجأة تنفتح أعينهما فيختفي عنهما!! إذا إمعنّا التأمل في هذه الفقرة نستطيع أن نرى ما حدث فعلاً عندما عرفا يسوع.
يسجّل الإنجيل أنّه بعد قيامة المسيح، حمل جسمه الطبيعة التي سيحملها في السماء كل الأبرار. كان باستطاعته تجاوز كل القيود الأرضية، كما كان يستطيع الظهور والاختفاء كلما أراد ذلك. كان يستطيع أن يظهر فجأة في حجرة مغلقة (يوحنا 20: 19)، وكان يستطيع أن يخفي أو يكشف عن نفسه كلما أراد.
وهكذا هنا، لم تكن المشكلة في أنَّ المسيح تنكّر، فالنص يقول بوضوح: «فانفتحت أعينهما». فجأة كان باستطاعتهما أن يدركا من هو. وبالمِثْل نقرأ أنَّ المسيح المقام من بين الأموات - في جسده الممجّد - لم يكن فقط يستطيع أن يفتح أعين الناس ليدركوا حقيقة شخصيته، بل إنه يستطيع أيضاً أن ينير أذهانهم ليدركوا معنى كلمة الله المعلنة (لوقا 24: 45). وكما ظهر فجأة في الحجرة (لوقا 24: 36) هكذا اختفى فجأة عن أنظارهما. إنّ الطابع الدرامي لرواية لوقا (أصحاح 24) لا يمكن شرحه بعبارات عقلانية، فالأصحاح يتكلم عن قيامة المسيح من الأموات (لوقا 24: 46). وهذا حدث غير مألوف، لم يكن تلميذا عمواس مهيَّئين له فكرياً، ولكن نعمة الله فتحت عيونهما فأدركا أنهما كانا في حضرة المخلِّص المصلوب المقام!
إنَّ لبَّ وكل الموضوع الذي تدور حوله روايات الأناجيل هو صَلب المسيح وموته وقيامته من الأموات. ولكن ديدات يزعم أنّ المسيح وُضع في «حجرة ضخمة فسيحة (كمدفن)» (صفحة 79)، بينما الأناجيل تشرح بوضوح أنّ ذلك لم يكن غير قبر نحته يوسف الذي من الرامة في صخرة ليكون المكان الذي يُدفن هو فيه. في إنجيل متى نقرأ «فَأَخَذَ يُوسُفُ ٱلْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ ٱلْجَدِيدِ» (متى 27: 59-60). (كذلك مرقس 15: 46 ولوقا 23: 53). وفي يوحنا 19: 41-42 يذكر مرتين أن المسيح وُضع في قبر وتمّ تكفينه حسب تقاليد الدفن عند اليهود. ومحاولة ديدات أن يروي هذه الروايات عن مدفن وقبر ليقدّم تخميناته أنّ المسيح وُضع في «حجرة ضخمة فسيحة (كمدفن)» حتى «يستعيد حيويته» هي دليل على خلوّ مجادلاته من أي حقيقة يُعوّل عليها.
وأخيراً نبحث في أربعة تصريحات في (الصفحة 50) من كتيّب ديدات يشير فيها إلى أنَّ أناساً عديدين شهدوا في يوم قيامة المسيح أنّه كان «حيّاً». وهذه الكلمة كُتبت بحروف كبيرة ووضع تحتها خط وبعدها علامة تعجّب في كل مرة. ويُفهم من كل ذلك أنّ ديدات يجادل ليسند نظريته أنَّ المسيح لم يمُت على الصليب، بل كان ما يزال حيّاً. ونحن نتعجب من مثل هذا التفكير، لأن كل موضوع القيامة من الأموات (كما ورد في الأناجيل) أن المسيح قام «حيّاً» من الأموات. ما هو إذن الذي يحاول ديدات أن يثبِّته؟ إنَّ الشهادات أنَّ المسيح كان «حيّاً» هي من الأهمية بمكان لكل الإيمان المسيحي، فقد قام المسيح من الأموات بعد أن قُتل على الصليب!!
ويقتبس ديدات من الإنجيل حسب البشير لوقا 24: 4 و5 (فقط) كلمات الملائكة لمريم والنسوة الأخريات: «لِمَاذَا تَطْلُبْنَ ٱلْحَيَّ بَيْنَ ٱلأَمْوَاتِ؟» وهو - بما لهذا من مدلول - يحذف الكلمات التالية: «اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي ٱلْجَلِيلِ قَائِلاً: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (لوقا 24: 6و7).
في هذه الكلمات نرى بوضوح أنَّ الملائكة يتكلمون عن صلب المسيح وقيامه من الموت في اليوم الثالث. وواضح أنهم أعلنوا أنه حي لأنه قام حقاً من الموت. وبنفس المقدار قال الإخوة في أورشليم لتلميذي عمواس: «إِنَّ ٱلرَّبَّ قَامَ بِٱلْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!» (لوقا 24: 34).
تتحد شهادة الجميع في أنَّ المسيح كان «حيّاً» لأنّه حقاً «قام من الموت». «قَدْ قَامَ!» (مرقس 16: 6). كانت هذه هي الشهادة الشاملة في ذلك اليوم. لقد قام حيّاً من الموت وهزم كل قوة الموت. وبفضل قيامته أصبح ممكناً للناس أن يقوموا معه إلى جِدَّة الحياة (رومية 6: 4) وأن يقوموا معه إلى حياة أبدية غالبين الموت والخطية (1كورنثوس 15: 55-57). وبهذا تمَّم ما أعلنه: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا 11: 25 - 26).
إنَّ جدل ديدات بأجمعه هو صورة كاريكاتورية مثيرة للرثاء للحدث المجيد الوارد شرحه في الأناجيل. وإنَّ معالجتنا المختصرة لنظرية ديدات القائلة إنّ المسيح نزل حياً من على الصليب ثم استعاد حيويته بطريقة ما، تثبت بطريقة قاطعة فساد وخطأ كل ما ذهب إليه ديدات. والمناقشات المضللة التي يقدمها تقودنا للاستنتاج أنه فشل في إثبات نظريته!
من الأشياء التي أثّرت في نفسي مرة بعد الأخرى وأنا أقرأ كتيّبات ديدات، اتجاهه المتهوّر للإدلاء ببيانات طائشة خالية من الذوق الكريم والحجة. ويبدو أنه يستغل جهل قرائه وسامعيه بالإنجيل، ويأمل أن يتقبلوا كل ما يقوله بدون تساؤل! وبالتأكيد لا يتصور أنه يحاول إقناع المسيحيين الذين يعرفون إنجيلهم تماماً والذين لا يسعهم إلا التعجب من افتراضاته. ولنبدأ بما يقوله في كتيّبه: «من الدعوة إلى امتشاق السلاح بتلك الحجرة العلوية، إلى الحنكة في توزيع القوات عند البستان، والصلاة الدامية لله الرحيم طلباً للنجاة، يبدو أن المسيح لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك الاتفاق السماوي الذي كان يقضي بصَلْبه» (صفحة 16).
والقول الأخير إنّ المسيح لم يعلم شيئاً عن صلبه هو قول خاطئ، فيه تحدٍّ صارخ لحقائق تناقض هذا الادعاء. فمرة بعد الأخرى قال المسيح لتلاميذه إنه سيُصلب ويُقتل ويقوم في اليوم الثالث، في تصريحات كهذه: «يَنْبَغِي أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً، وَيُرْفَضُ مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (لوقا 9: 22). وقوله: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِٱلْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى ٱلأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (مت°ى 20: 18-19). وعندما قام من الأموات وبَّخ تلاميذه لأنهم لم يؤمنوا بكل ما قاله لهم، فضلاً عن نبوّات الأنبياء السابقين أنه سيُقتل ويقوم في اليوم الثالث (لوقا 24: 25-26). وفي مناسبات عديدة أخرى قال بوضوح إنَّ هذا كان كل الهدف من مجيئه إلى الأرض، لأنه جاء ليضع نفسه فدية عن كثيرين (متى 26: 26-28)، ويبذل حياته من أجل أن يحيا العالم (يوحنا 6: 51). وقال إنَّ له سلطاناً أن يضع حياته وأن يأخذها (يوحنا 10: 18). فما أجهل أن يُقال إنّ المسيح لم يكن يعرف شيئاً عن صلبه الوشيك! على العكس من ذلك، عندما واجه لحظة الذروة في حياته، وعندما كان عليه كمخلِّص للعالم أن يحرر الجنس البشري وأن يمهد الطريق للكثيرين ليدخلوا الحياة الأبدية، قال: «لأَجْلِ هٰذَا أَتَيْتُ إِلَى هٰذِهِ ٱلسَّاعَةِ» (يوحنا 12: 27). وهكذا كان يسوع عالماً بالمصير الذي كان ينتظره حتى أنه كان دائماً يشير إليه قائلا: «ساعتي» (يوحنا 2: 4) و «وقتي» (يوحنا 7: 6). ليس رجل غيره قيل عنه بأكثر صدق «تأتي الساعة فيأتي الرجل». لقد جاءت ساعة خلاص العالم، وأرسل الله الرجل الوحيد الذي كان باستطاعته تحقيق ذلك: المسيح ابن مريم!
ويصرّح ديدات تصريحاً طائشاً، عندما يقول إنّ لقب «ابن الله» في الإنجيل هو تعبير كان جائزاً في الديانة اليهودية (صفحة 25). ولكن الأمر على العكس مما يدعيه تماماً، فكما يتمسّك المسلمون بعقيدة التوحيد التي لا تسمح بأي إمكانية لأن يكون لله ولد، هكذا يهود تلك الأيام، وإلى هذا اليوم، يرفضون الفكرة كلية. وعندما سأل رئيس الكهنة المسيح عمّا إذا كان ابن لله - كما ذُكر عنه أنه كان يقول بذلك - أجابه «أَنَاَ هُوَ» (مرقس 14: 62). فلو أنّ هذا كان «تعبيراً لا ضرر منه» كما يدَّعي ديدات، فإنّ رئيس الكهنة ما كان يصرخ في الحال: «قَدْ جَدَّفَ!» (متى 26: 65). وعندما مثَل المسيح أمام بيلاطس صرخ اليهود: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ» (يوحنا 19: 7).
ويرفض المسلمون بنوَّة المسيح لله، ويزعمون أنَّ المسيحيين حوَّلوا النبي يسوع إلى ابن الله. وما كان اليهود ليدسُّوا بنوَّة المسيح لله على المسيحيين، لأنّ المسيح نفسه قد أدلى بهذا الاعتراف أمامهم، فصرخوا: «لقد جعل نفسه ابن الله!» ولهذا السبب حكموا على المسيح بالتجديف. لكن الله من خلال قيامة المسيح أعطى تأكيداً لجميع الناس أنّ المسيح حقاً ابنه الحبيب، كما قال هو نفسه (رومية 1: 4).
ويصرّح ديدات تصريحاً شاذاً مماثلاً حين يقول: «أيّ عالم مسيحي سوف يؤكد أنّ الأناجيل كُتبت بعد قرون من وقت المسيح». مع أنّ هناك اقتناعاً عاماً بين جميع العلماء الإنجيليين أنَّ أناجيل متى ومرقس ولوقا كُتبت بين سنة 55 و60 م (بعد أقل من ثلاثين سنة من قيامة المسيح) وإنجيل يوحنا حتى سنة 70 ميلادية. «العلماء» المتحاملون فقط هم الذين يفترضون غير ذلك، وحتى النقّاد المعادون قد أقرّوا بهذه التواريخ. فكيف يقول ديدات إنّ الأناجيل كُتبت بعد عدة قرون من وقت المسيح، وبين أيدينا أجزاء من المخطوطات يرجع تاريخها إلى سنة 120 ميلادية، كما توجد استشهادات من الأناجيل في كتابات المسيحيين الأوائل في الأجيال التي تلت جيل الرسل مباشرة؟!
ويدلي ديدات بأكثر تصريحاته بُعداً عن التوفيق حين يقول في موضع آخر: «الخلاص من الآثام رخيص في المسيحية» (صفحة 61). ونحن نشك أن يعتبر المسلمون استعداد إبراهيم أن يهب ابنه لله «تضحية رخيصة». وبالتأكيد إذن لا يوجد ما هو «رخيص» في استعداد الله لأن يهب ابنه ضحية لأجل خطايانا. يعلن الكتاب المقدس للمسيحيين بكل وضوح «قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ» (1كورنثوس 6: 20) - وأيّ ثمن!!. ولا يستطيع الرسول إلا أن يتكلم - نتيجة لذلك - عن «عَطِيَّة الله ٱلَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا» (2كورنثوس 9: 15). فلا يمكن تقدير الثمن الذي دُفع لتخليص الإنسان من الخطية والموت وجهنم! إنّ الخلاص في المسيحية هو أعظم ما شاهده عالمنا قيمةً على مرّ العصور - حياة ابن الله السرمدي. وبنفس المقدار لا يستطيع إنسان الحصول على هذا الخلاص إلاّ إذا سلَّم، بكامل إرادته، حياته كلها لله بالإيمان بابنه.
وأخيراً في واحدة من اتهاماته غير الصحيحة (كما هو نهجه) يدَّعي ديدات أنّ قصة ظهور المسيح المقام لتوما، التلميذ الذي شك، والمدوَّنة في يوحنا 20: 24-29 هي «اختلاف أثيم في الإنجيل» (صفحة 31). بل ويتهوَّر أكثر فيزعم أنّ شُرَّاح الإنجيل يتَّجهون «إلى نتيجة هي أنَّ توما الشكَّاك وما يتعلق بشأنه إنما مثَله مثل ما يتعلَّق بتلك المرأة التي أمسكوا بها متلبّسة، كما ورد في إنجيل يوحنا 8: 1-11، باعتبار أنَّ كليهما تلفيق واختراع» (صفحة 76).
وطبعاً - وبكل ما لذلك من دلالة - لا يذكر لنا ديدات من هم هؤلاء الذين يدعوهم «شُرَّاح الإنجيل». وليس هناك أيُّ دليل في أي مكان يسند الزعم أنّ شك توما في قيامة المسيح من الأموات إلى أن رآه، ثم إعلانه بعد رؤيته للمسيح المقام أنه «ربه وإلهه» هو «تلفيق واختراع»! هذه القصة نجدها باقية في جميع المخطوطات الأولى التي بين أيدينا بدون أي اختلاف في قراءتها، ولهذا فإنّ الدلائل متوافرة وبالإجماع على صحتها وأصالتها. وليس هناك أي سند لتخمين ديدات أنّ هذه القصة ملفَّقة مُخترعة!
يبدو أنّ ديدات قد بنى زعمه مفترضاً أنّ المسيح لم يُسمَّر على الصليب، وإنما رُبط فقط بالحبال. ويصدر ديدات مرة أخرى أحد مزاعمه الطائشة لما يقول: «على العكس من العقيدة السائدة، لم يُسمَّر يسوع على الصليب بل رُبط إليه» (صفحة 31). مع أنّ الاكتشافات الأثرية في أرض فلسطين أثبتت أنّ الرومان كانوا يصلبون ضحاياهم بدق المسامير فيهم على الصليب. وقد تم اكتشاف هيكل إنسان ومسمار يخترق القدمين، وذلك من سنين قريبة. بالإضافة إلى هذا فإنّ شهادة النبوَّات الشاملة، وما دوَّنه التاريخ عن صلب المسيح تُجمع على أنه سُمِّر على الصليب (مزامير 22: 16، يوحنا 20: 25، كولوسي 2: 14). إنّ مجادلات ديدات ليست فقط «على عكس العقيدة السائدة» كما يقرّ هو، بل أيضاً (ومثل الكثير من مواضيعه) تخالف الكتاب المقدس، والوقائع التاريخية المسجَّلة التي يُعتدُّ بها، والاكتشافات الأثرية والأدلة، وأيضاً - وكما هي دائماً - تخالف حتى الذَّوق السليم. لا يستطيع ديدات أن يقدّم ولا حتى ذرة من دليل لدعم زعمه أنّ المسيح عُلِّق على الصليب بحبال. فكيف يلجأ إلى هجوم بغير دليل، كله مجرّد افتراض على التسجيل التاريخي السليم بأنّ المسيح سُمِّر على الصليب، دون أن يقدم أي دليل من أي نوع على أن ما سجَّله تاريخ! فمن يكون الملفِّق المخترع؟! لو أنّ هجوم ديدات على ما سجَّله الكتاب المقدس عن صَلْب وموت وقيامة المسيح له قيمة وجدارة، لما كان ديدات مضطراً أن يلجأ لمثل هذه المزاعم المضحكة كالتي تناولناها بالبحث! ويشير هذا إلى قدر ما يعانيه من يأس وهو يجاهد ضد أمور متنوّعة ليثبت مجرد نظريات لا يمكن إقامة الدليل عليها والدفاع عنها!
بعد ما تقدم شرحه، لن يندهش قراؤنا أن يجدوا ديدات يطمس ويخفي متعمّداً كلمات من الكتاب المقدس لا تتفق وهدفه. في اليوم التالي لصلب المسيح جاء رؤساء الكهنة إلى بيلاطس (متى 27: 62-64) يلتمسون أن يُختم القبر. ويقدم ديدات اقتباسه من الإنجيل هكذا: يقول القديس متى: «وفي الغد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين: يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال ... فمُرْ بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا ... فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى» (متى 27: 62-64) (صفحة 42).
في موضعين من اقتباس ديدات من الإنجيل نجد ثلاث نقاط (...) تبدو كأنها غير ضارة، كما لو أنّ شيئاً قد حُذف لعدم أهميته أو لعدم اتصاله بالموضوع. يزعم ديدات أنّ اليهود أدركوا فجأة أنّ المسيح ربما يكون لا زال حيّاً، وأنهم ربما يكونون قد «خُدعوا» (صفحة 42). فذهبوا إلى بيلاطس ليجعلوه يختم القبر حتى لا يستطيع المسيح أن يهرب ويستعيد حيويته. ورغم ذلك - يقول ديدات - إنهم تأخروا يوماً واحداً، «وكان الخطأ الأخير لهم أنهم مكَّنوا أتباع المسيح غير المعروفين أن يقدموا المساعدة لرجلهم الجريح بعدم غلق المقبرة غلقاً محكماً» (صفحة 43).
كل ما حدث هنا أنّ ديدات حذف عبارتين من الآيات التي يستشهد بها ليس لأنهما بلا أهمية، بل لأنهما تدحضان مزاعمه كلية، وتضطران القارئ لاكتشاف صورة مخالفة تماماً لما يحاول أن يوحي للقارئ به ويُظهره. وسوف نذكر الآيات بكاملها، ونورد هنا النصّ الكامل لاقتباس ديدات من إنجيل متى ونوضح بخط سميك ما حذفه من كلمات وضع مكانها النقط (...) «يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذٰلِكَ ٱلْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ ٱلْقَبْرِ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ ٱلضَّلاَلَةُ ٱلأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ ٱلأُولَى!» (متى 27: 62 - 64).
ويتضح لنا فوراً أنّ اليهود لم يؤمنوا لحظة واحدة أنّ المسيح نزل عن الصليب حياً. لقد ذهبوا إلى بيلاطس يتكلمون عن شيء كان المسيح قد قاله كما كان بعد حيّاً. وهذا يعني أنهم اعتبروه قد مات، فطلبوا من بيلاطس أن يُضبط (يُختم) القبر، ليس لخوفهم من أنّ رجلاً جريحاً قد يستردّ وعيه، لكن لأنهم خافوا أن يسرق تلاميذه جسده، ثم يعلنون أنه قام من الأموات. هذا هو المعنى الواضح والبسيط لهذه الفقرة.
من الواضح لماذا حذف ديدات العبارات التي ظهرت بخط سميك! لأنها تهدم نظريته. ومن المؤسف أنّ ديدات يستخدم وبصفة منتظمة هذا التكتيك المراوغ في كتيباته ضد المسيحية. إنه يشوّه الكتاب المقدس بأن يحرّف بعض النصوص فيخرج بها عن محتواها، ويتجاهل من وقت لآخر نصوصاً أخرى تشكك في نظرياته. وهذه واحدة من المرات التي قام فيها بهذا العمل في فقرة واحدة، ملتوياً ببعض كلماتها، محاولاً أن يثبت أنّ اليهود ظنوا أنّ المسيح ما زال حياً. وأسقط الكلمات التي توضح أن ذلك لم يكن في فكرهم على الإطلاق. وأي مسلم مخلص يمكن أن يرى أنّ كتيّب ديدات عن الصليب بأكمله هو لوي للحقيقة وإسقاط للعبارات الواضحة في الأناجيل والتي تشهد بغير غموض لحقيقة صلب المسيح وموته وقيامته. ونحن ننصح القراء أن يتعاملوا مع مثل هذه الاقتباسات التي حُذفت منها بعض كلمات ووُضع مكانها ثلاث نقاط (...) بحذر شديد، لأن ديدات يجعلها تقول ما لم يرد فيها - وهذه خيانة للحق! لقد تذكر اليهود أن المسيح طالما كرَّر نبوَّة بأنه سيقوم من الأموات بعد ثلاثة أيام، وأرادوا أن يمنعوا أيّ إمكانية لتحقيق هذه النبوة، سواء واقعياً من خلال قيامته أو بحيلة من خلال عمل يقوم به تلاميذه. وليس هناك سند لزعم ديدات أنّ اليهود «شكّوا في موته» وأنهم «ظنوا أنه لم يمت على الصليب» (صفحة 79). والكلمات التي حذفها من الفقرة التي استشهد بها في الصفحة 42 من كتيّبه توضح بجلاء أنهم كانوا مقتنعين أنّ المسيح مات حقاً، لكنهم لم يريدوا أن يدَّعي تلاميذه أنّه قام من الأموات وعاد للحياة مرة أخرى!
والمسيحيون لا يعترضون على أيّ تحليل ناقد مخلص لكتابهم المقدس ومعتقداتهم. وفي الحقيقة نحن نرحب بذلك، لأنه يحفزنا للتأكد مما نؤمن به، كما أنه ليس هناك مسيحي صادق يود أن يؤمن بأشياء لا تصمد أمام التحليل الناقد. على أننا نستاء من أيّ مطبوعات مثل كتيّب ديدات «صلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء» والذي لا يحتوي غير تحريف دعائم إيماننا والافتراء عليها. وهكذا يجرح مشاعرنا ويؤذيها. ونحن واثقون أنّ غالبية المسلمين سوف يكون لديهم نفس هذا الشعور بشأن أي مطبوعات مسيحية تشوّه الإسلام بالطريقة التي يُحقّر بها ديدات المسيحية.
ونحن نرتاح إذ نجد كثيرين من المسلمين في جنوب إفريقيا يعبّرون عن عدم موافقتهم على مثل هذه المطبوعات. لقد قالت إحدى المجلات الإسلامية المحلية منذ وقت قريب عن أسلوب ديدات: «إنها لحقيقة معروفة تماماً في كافة أنحاء جنوب إفريقيا، وحتى بين الأوساط التبشيرية المسيحية، أن المجتمع الإسلامي في جنوب إفريقيا لا يتفق مع السيد أحمد ديدات في أسلوبه في نشر الدعوة الإسلامية وخاصة بين المسيحيين. وقد أدانت السيد ديدات هيئات دينية إسلامية مسؤولة كما أدانه الأفراد بسبب الطريقة التي بها ينشر الإسلام والتي من نتيجتها توليد العداوة ضد المسلمين». (مجلة المسلم ديجست، التي تصدر في جنوب إفريقيا. عدد يوليو - أغسطس - سبتمبر 1984).
سوف نختم بتعرُّض مختصر لزعم ديدات أنه لو أمكن إثبات أنّ المسيح لم يمت على الصليب فإنّ مدلول ذلك أنه لم يُصلب بالمرة! وهذا الجدل الواهي ناشئ من مأزق وضع ديدات نفسه فيه نظريته أنّ المسيح استمر حياً على الصليب. فالمسلمون يعتقدون أنّ المسيح «لم يُصلب ولم يُقتل» بحسب تفسيرهم لسورة النساء 157. والغالبية العظمى من المسلمين في كافة أنحاء العالم يؤمنون أنّ المسيح لم يوضع إطلاقاً على الصليب. لقد عقدْتُ ندوة مع ديدات في بينوني في سنة 1975 عن موضوع «هل صُلب المسيح؟» ولخَّصتْ الصحيفة المحلية حينئذ زعم ديدات بالقول: «لقد صُلب لكنه لم يمت، هكذا كانت وجهة نظره». وهناك عدد من المسلمين الفاهمين تبيَّنوا أنّ مجمل نظريته يقلل من شأن ما يقوله الكتاب المقدس وما يقوله القرآن أيضاً عن الصَّلْب، فهو الآن يحاول أن يخلّص نفسه من المأزق الذي وضع نفسه فيه! فيجادل بأنّ كلمة «يُصلب» معناها «يقتل على صليب» ويقول إنه إذا استمر شخص حيّاً على الصليب فإنّ ذلك يعني أنه لم يُصلب. وهو يشير بأنه في الإنجليزية «يُصعق» تعني القتل بصعقة كهربائية، وأن «يُشنق» تعني القتل بالشنق. وعلى هذا يقول إنه في الإنجليزية «يُصلب» يجب أن تعني «يُقتل على الصليب». ويدَّعي أنه لا يصح أن يُعتبر مسؤولاً عن النقص الذي في اللغة الانجليزية التي لا تحتوي على كلمات بديلة للدلالة على الشروع في الصلب أو الصعق أو الشنق. وفي قوله هذا يظهر نقص فهمه لموضوع الصليب تماماً. إنّ رواية واقعة الصلب في الكتاب المقدس كُتبت في الأصل باللغة اليونانية، وقد مرَّت أكثر من ألف سنة قبل أيّ ترجمة لها إلى اللغة الإنجليزية. والنقطة الهامة ليس لها ما قد تعنيه كلمة «يُصلب» كما يفهمها ديدات باللغة الإنجليزية، ولكن المهم هو معنى الكلمة باليونانية عندما كُتبت الأناجيل لأول مرة.
وهناك آية تكفي للدلالة على أن «يُصلب» في وقت كتابة الأناجيل كانت تعني ببساطة «التثبيت على صليب». فلقد أعلن بطرس الرسول لجموع اليهود: «يَسُوعُ هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أعمال الرسل 2: 23).
ونقرأ النص بوضوح «أنتم صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» وهذا يعني بشكل واضح «أنتم ثبَّتموه على صليب وقتلتموه هناك». فمن السُّخف أن نفترض أنه إذا لم يمت فعلاً على الصليب، فإنّ هذا يعني أنه لم يُصلب إطلاقاً. وإذا كانت كلمة «يُصلب» تعني فقط «يُقتل» فإن بطرس كان سيقول فقط: «صَلَبْتُمُوهُ». ولكنه يضيف: «وَقَتَلْتُمُوهُ». فهو يظهر بوضوح أن كلمة «يُصلب» تعني فقط التثبيت على صليب. وهكذا يستمر ديدات في المأزق الذي وضع نفسه فيه بأن يسوع صُلب فعلاً لكنه لم يمت، وهي نظرية يمقتها المسيحيون والمسلمون الحقيقيون على حدّ سواء.
إن المرء ليعاني وهو يحاول أن يتتبع المنطق الفكري وراء خط ديدات في تناول الموضوعات! يبدو أنه يظن أنه لو استطاع أن يبرهن أنّ المسيح لم يمت على الصليب فإنّ هذا سيثبت أن القرآن صادق حينما يقول إنه لم يُقتل بواسطة اليهود. لكن كيف يمكن تصوُّر أن يكون لهذه النقطة تماسك، بينما الجدل كله يسلّم بصحة باقي الأمور التي ينكرها القرآن عن واقعية صلب المسيح؟ وهكذا يبدو واضحاً أنّ جدله هذا خالٍ تماماً من أيّ منطق!
أيها القارئ العزيز،
إن قرأت هذا الكتيّب بانتباه، تستطيع أن تجيب على الأسئلة التالية:
اكتب ثلاثة أمثلة من حياة المسيح تبرهن أنه لم يندمج في السياسة؟
قال المسيح لتلاميذه: «يكفي» رداً على قولهم له: «هوذا هنا سيفان». ماذا قصد المسيح بقوله «يكفي»؟
لماذا اختار المسيح حماراً يركبه في دخوله الانتصاري إلى أورشليم؟
تنبأ نبي التوراة زكريا أنّ الرب «سيزيل إثم الأرض في يوم واحد» - كيف تحققت هذه النبوّة؟
صف ثلاث حقائق عرفها المسيح عشية صَلْبه، قبل حدوثها: (أ) مع الخائن يهوذا (ب) مع بطرس (ج) مع كل التلاميذ.
اقرأ متى 17: 22 و23 بماذا تنبّأ المسيح في هاتين الآيتين؟
كيف تأكد بيلاطس أنّ المسيح مات؟
كيف تحققت نبوّة دانيال النبي 9: 26 «يُقطع المسيح وليس له»؟
صف قبر المسيح كما تصفه الروايات الأربع للإنجيل المقدس.
اقرأ لوقا 24: 4-7 ماذا أعلنه الملاك عن المسيح في هذه الآيات؟
ما هي تكلفة الخلاص المسيحي؟
اقرأ متى 27: 62-64 ما هو الذي ذكره اليهود عن المسيح في هذه الآيات؟
الرجاء نسخ هذه الأسئلة على الصفحة الخاصة بالاتصال بنا في الموقع، ثم ضع اجاباتك هناك تحت كل سؤال:
www.the-good-way.com/ar/contact
إذا كنت لا تريد استخدام هذه الطريقة الالكترونية بامكانك ارسال اجاباتك عن طريق البريد العادي على العنوان التالي:
The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland