سؤالٌ من: السيّد ع. ق. جزّين - لبنان.
من الثابت أنّ الكتاب المعروف باسم «إنجيل برنابا» لا يمتّ للمسيحية بصلة، وإنّما هو شهادة زورٍ على الإنجيل المقدَّس، ومحاولةٌ للتشويش على الدين المسيحي. مَثَلُه كالقرآن الذي كتبه مسيلمة الكذّاب، أو القرآن الذي ألّفه الفضل بن ربيع. وهذا الكتاب المنسوب إلى برنابا نقله إلى العربيّة الدكتور خليل سعادة سنة 1907 عن نسخة إنكليزيّة، بإيعازٍ من السيّد محمد رشيد رضا منشئ مجلّة المنار، فرفضه المسيحيّون رفضاً باتاً لأنه كتاب مزيَّف.
أما الذين قبلوه فهم فريق من المسلمين، لسبب واضح جداً، وهو أنّ بعض محتوياته تؤيّد القول إنّ المسيح لم يُصلَب، بل أُلقِيَ شَبَهه على يهوذا الإسخريوطي فصُلِب بدلاً عنه.
ويُجمِع العلماء المدقّقون على أن هذا الكتاب المزوَّر على برنابا لم يكن موجوداً قبل القرن الخامس عشر، أي بعد موت برنابا بألف وخمسمئة عام. ولو وُجِد قبلاً لما اختلف فقهاء المسلمين كالطبري والبيضاوي وابن كثير وفخر الدين الرازي في آخِرة المسيح، وفي تحديد الشخص الذي قيل إنه صُلِب عوضاً عن المسيح. بل كانوا أجمعوا على أن الذي صُلِب هو يهوذا الأسخريوطي.
ولو عُدنا إلى المؤلفات الإسلامية المعتَبَرة، كمروج الذهب للمسعودي، والبداية والنهاية للأِمام عماد الدين، والقول الإبريزي للعلاّمة أحمد المقريزي، لرأينا أن هؤلاء الأعلام سجّلوا في كتبهم أن إنجيل المسيحيين هو الذي كتبه أصحابُ الأناجيل الأربعة، وهم متّى ومرقس ولوقا ويوحنا. وممّا قاله المسعودي، في كتابه «التنبيه والاشراف» (ص 136): «وذكرنا أسماء الاثني عشر وأسماء السبعين، تلاميذ المسيح، وتفرُّقهم في البلاد وأخبارهم وما كان منهم ومواضع قبورهم. وأن أصحاب الأناجيل الأربعة منهم يوحنّا ومتّى من الاثني عشر ولوقا ومرقس من السبعين».
ولو عدنا إلى مخطوطات الكتاب المقدس القديمة، والتي يرجع تاريخ نسخها إلى ما قبل الإسلام (وهي التي أشار القرآن إليها وشهد بصحّتها) لا نجد فيها هذا الإنجيل المنسوب إلى برنابا. كما أنه لا يوجد له ذِكر في الجداول التي نظّمها آباء الكنيسة، للأسفار التي يتألّف منها الكتاب المقدس.
ولو بحثنا في التاريخ نجد أن النسخة الأصليّة لهذا الإنجيل المزوّر ظهرت أول مرّة عام 1709 لدى كريمر مستشار ملك بروسيا. ثم أُخِذَت منه وأودِعَت عام 1738 في مكتبة فينّا. ولاحظ كل العلماء الذين فحصوها أن غلافها شرقيّ الطراز، وأن على هوامشها شروحاً وتعليقات باللغة العربيّة. ويُستدلّ من فحص الورق والحبر المستعملَين في كتابتها أنها كُتبَت في القرن الخامس عشر أو السادس عشر.
ويقول العلاّمة الإنجليزي الدكتور سال إنه وجد نسخة من هذا الكتاب باللغة الأسبانيّة كتبها رجل أروغاني اسمه مصطفى العرندي، يدّعي فيها العرندي أنه ترجمها عن النسخة الإيطاليّة. وقد جاء في مقدمتها أن راهباً يدعى مارينو، مقرَّباً من البابا سكستوس الخامس دخل ذات يوم من سنة 1585 إلى مكتبة البابا، فعثر على رسالة للقدّيس إيريناوس يندّد فيها بالرسول بولس، وأن إيريناوس أسند تنديده هذا إلى «إنجيل برنابا». فأصبح «مارينو» من ذلك الحين شديد الرغبة في العثور على هذا الإنجيل. وحدث أن مارينو دخل يوماً مع البابا سكستوس الخامس المكتبة البابويّة. وفيما هما يتحدّثان استولت على البابا سِنةٌ من النوم، فاقتنص مارينو الفرصة وبحث عن إنجيل برنابا، فوجده وأخفاه في ملابسه. ولبث إلى أن استفاق البابا من النوم، فاستأذنه بالانصراف حاملاً الكتاب معه.
على أن من يراجع مؤلفات القديس إيريناوس لا يرى فيها أيّة إشارة إلى إنجيل برنابا، ولا أيّ نقدٍ للرسول بولس.
وهناك حقيقةٌ يستطيع كل إنسان أن يدركها، وهي أنه مكتوب في سفر أعمال الرسل أن برنابا نفسه كان رفيقاً للرسول بولس في كرازته بالإنجيل، في أورشليم وأنطاكية وإيقونية ودربة ولسترة. وكرز أيضاً بالإنجيل مع ابن أخته يوحنا مرقس في قبرص. وهذا يدلّ على أن برنابا كان مؤمناً بإنجيل المسيح المصلوب الذي كرز به بولس ومرقس وسائر الرسل، والذي نلخّصه في عبارة واحدة، وهي أن المسيح مات كفّارة عن خطايا العالَم على الصليب، وقام في اليوم الثالث لتبرير كلّ من يؤمن به. ولما كان الكتاب المنسوب لبرنابا ينكر هذه الحقيقة، فالبرهان واضح على أنه كتاب مزوَّر.
ويميل بعض العلماء المدقِّقين إلى الاعتقاد أن كاتب إنجيل برنابا هو الراهب مارينو نفسه، بعد أن اعتنق الإسلام، وتسمّى باسم مصطفى العرندي. ويميل بعضٌ آخر إلى الاعتقاد أنّ النسخة الإيطاليّة ليست النسخة الأصليّة لهذا الكتاب، بل إنها منقولة عن أصلٍ عربي، لأن مُطالِع إنجيل برنابا يرى أن للكاتب إلماماً واسعاً بالقرآن، حتى أن الكثير من نصوص هذا الإنجيل المزوّر يكاد يكون ترجمةً حرفيّة لآياتٍ قرآنيّة. وفي مقدّمة أصحاب هذا الرأي، العلاّمة الدكتور هويت (سنة 1784).
ولكن مهما كان رأي العلماء، فالثابت أن هذا الإنجيل يروي تاريخ المسيح بأسلوبٍ يتّفق مع نصوص القرآن، ويغاير محتويات الأناجيل المسيحية الصحيحة، ممّا يحملنا على الاعتقاد أن الكاتب نصرانيٌّ اعتنقَ الإسلام. ونلمس هذا من الأمور التالية:
إنجيل برنابا المزوّر هذا، يُفضِّل محمداً على المسيح، فقد جاء فيه أنّ المسيح قال عن محمد: «ولمّا رأيتُه امتلأتُ عزاءً قائلاً: يا محمّد ليكن الله معك، وَلْيجعلني أهلاً أن أحلّ سير حذائك، لأني أِن نلتُ هذا صرتُ نبيّاً عظيماً وقدّوساً» (فصل 44: 30 - 31). وجاء به أيضاً: «وقال يسوع: مع أني لستُ مستحقاً أن أحلّ سير حذائه، فقد نلتُ نعمة ورحمة» (ف 97: 10).
وواضح أن كاتب إنجيل برنابا يعرف ما قاله يوحنا المعمدان عن المسيح (يوحنا 1: 27). ويعزو ما قاله المعمدان إلى المسيح، ويفتري أن المسيح قاله عن محمد! لقد جاء المعمدان ليجهِّز الطريق للمسيح، لكن لا المسيحيون ولا المسلمون يقولون إن المسيح جاء ليجهِّز الطريق لمحمد.
في الإنجيل المزوّر عبارات تتّفق مع كتابات المسلمين القدماء، فقد جاء به على لسان المسيح: «إنّ اسم مسيّا عجيب، لأن الله نفسه سمّاه لمّا خلق نفسه ووضعها في بهاءٍ سماوي، وقال: اصبر يا محمد لأني لأجلك أريد أن أخلق الجنة والعالم وجمّاً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك، حتى أن كل مَن يباركك يكون مبارَكاً، ومَن يلعنك يكون ملعوناً. ومتى أرسلتُكَ إلى العالَم أجعلك رسولي للخلاص، وتكون كلمتك صادقة حتى أن السماء والأرض تهِنان ولكن إيمانك لا يَهِن أبداً. إنّ اسمه المبارَك محمد». حينئذٍ رفع الجمهور أصواتهم قائلين: «يا الله، أرسِل لنا رسولك. يا محمد تعالَ سريعاً لخلاص العالَم» (ف 97: 14 - 18).
وجاء أيضاً في ذلك الإنجيل المزوّر: «فلما انتصب آدم على قدميه رأى في الهواء كتابةً تتألّق كالشمس، نصّها «لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله». فقال آدم: «أشكرك أيها الربّ إلهي، لأنك تفضَّلْتَ فخلقتَني. ولكن أضرع إليك أن تُنبئني ما معنى هذه الكلمات: محمّد رسول الله». فأجاب الله: «مرحباً بك يا عبدي آدم. وإني أقول لك إنك أول إنسانٍ خلقتُه. وهذا الذي رأيتَه إنّما هو ابنك الذي سيأتي إلى العالم بعد الآن بسنين عديدة. وسيكون رسولي، الذي لأجله خلقتُ كلّ الأشياء، الذي متى جاء سيعطي نوراً للعالم، الذي كانت نفسه موضوعةً في بهاءٍ سماوي ستين ألف سنة قبل أن أخلق شيئاً». فضرع آدم إلى الله قائلاً: «يارب، هَبْني هذه الكتابة على أظفار أصابع يديّ». فمنح الله الإنسانَ الأوّل تلك الكتابة. على ظفر إبهام اليد اليمنى «لا إله إلاّ الله»، وعلى ظفر إبهام اليد اليسرى «محمّد رسول الله» (ف 39: 14 - 26).
وجاء أيضاً في هذا الإنجيل المزوّر: «فاحتجب الله. وطردهما الملاكُ ميخائيل من الفردوس (آدم وحوّاء). فلما التفتَ آدمُ رأى مكتوباً فوق الباب «لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله». فبكى عند ذلك وقال: «عسى الله يريد أن تأتي سريعاً (يا محمد) وتخلِّصنا من هذا الشقاء» (ف 41: 29 - 31).
فهذه الأقوال تتفق نصاً وروحاً مع ما جاء في مؤلفات المسلمين القدماء، كالإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، والأنوار المحمديّة من المواهب اللدنية، والأسراء معجزة كبرى. وغير ذلك من المؤلفات.
هذا، والأدلة كثيرة على أن الكاتب لا يمتّ بصلةٍ إلى رسُل المسيح أو حوارييه، الذين كتبوا مسوقين من الروح القدس. ومن هذه الأدلّة القاطعة:
جهله بجغرافية فلسطين والبلاد التي كانت مسرحاً للروايات الدينية فقد قال في إنجيله المزوّر: «وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في مركب مسافراً إلى الناصرة مدينته، فحدث نوءٌ عظيم في البحر حتى أشرف المركب على الغرق» (ف 20: 1 - 2). ولكن المعروف أن الناصرة مدينة قائمة على جبلٍ مرتفع في الجليل، وليست واقعة على البحر، كما قال كاتب إنجيل برنابا.
وقال أيضاً في إنجيله المزوّر: «اذكروا أنّ الله عزم على إهلاك نينوى، لأنه لم يجد أحداً يخاف الله في تلك المدينة. فحاول (يونان) الهرب إلى طرسوس خوفاً من الشعب، فطرحه الله في البحر فابتلعته سمكة وقذفته على مقربة من نينوى» (ف 63: 4 - 7). والمعروف أن مدينة نينوى كانت عاصمة الأمبرطوريّة الأشوريّة. وقد شُيِّدَت على الضفّة الشرقية من نهر دجلة، على فم رافد صغير اسمه رافد الخسر. فهي إذاً لم تكن على البحر الأبيض المتوسّط كما قال كاتب الإنجيل المزوّر.
جهله بالتاريخ الخاصّ بحياة المسيح، فقد جاء في الفصل الثالث من هذا الإنجيل المزوّر: «حين وُلِد يسوع كان بيلاطس حاكماً في زمن الرياسة الكهنوتيّة لحنّان وقيافا» (ف 3: 2). وهذا غير صحيح لأن بيلاطس تولّى من عام 26 - 36م. أما حنّان فكان رئيساً للكهنة من سنة 6 - 15م. وقيافا من سنة 8 - 36م.
وجاء في الفصل المئة والثاني والأربعين أن المسيّا لا يأتي من نسل داود بل من نسل إسماعيل، وأن الموعد صُنِع بإسماعيل لا بإسحاق (ف 142: 13). وهذه غلطة صارخة، لأن من يقرأ سلسلة أنساب المسيح في الإنجيل الصحيح يرى أنه من جهة الجسد وُلد من نسل داود ومن سبط يهوذا.
شحن الكاتب إنجيله المزوّر ببعض القصص التي لا أساس لها في الأديان السماوية ومنها قوله:
«وحينئذٍ قال الله لأتباع الشيطان: توبوا واعترفوا بأنّي أنا الله خالقكم. أجابوا إنّنا نتوب عن سجودنا لك لأنّك غير عادل، ولكنّ الشيطان عادل وبريء، وهو ربّنا... وبصق الشيطان حين انصرافه على كتلة التراب، فرفع جبرائيل ذلك البصاق مع شيء من التراب، فكان للإنسان بسبب ذلك سُرّةٌ في بطنه» (ف 35: 25 - 27).
وجاء فيه أيضاً: «أجاب يسوع: الحقّ أقول لكم، إني عطفتُ على الشيطان لمّا علمتُ بسقوطه، وعطفت على الجنس البشري الذي يفتنه ليخطئ. لذلك صلّيت وصُمت لإلهنا الذي كلّمني بواسطة ملاكه جبرائيل: ماذا تطلب يا يسوع وما هو سؤالك؟ أجبت: ياربّ، أنت تعلم أيّ شرٍّ كان الشيطان سببه، وأنه بواسطة فتنته يهلك كثيرون، وهو خليقتك. فارحمه يا ربّ. أجاب الله: يا يسوع انظر فإني أصفح عنه، على أن يقول فقط: أيّها الربّ إلهي لقد أخطأتُ فارحمني، فأصفح عنه وأُعيده إلى حالته الأولى. قال يسوع: لما سمعتُ هذا سُررت جداً، موقناً أني قد فعلت هذا الصلح. لذلك دعوتُ الشيطان، فأتى قائلاً: ماذا يجب عليّ أن أفعل لك يا يسوع؟ أجبت: إنك تفعل لنفسك أيها الشيطان. لأني لا أحب خدمتك لي، وإنما دعَوْتُك لما فيه صلاحك. أجاب الشيطان: إذا كنتَ لا تودّ خدمتي فإني لا أودّ خدمتك لأني أشرف منك. فأنت لست أهلاً لأن تخدمني، أنت يا مَن هو مِن طين. أمّا أنا فروح» (ف 51: 4 - 20).
فهذه خرافةٌ لا يمكن لعقلٍ سليم أن يصدّق أنها من الإنجيل الموحَى به من الله. أولاً: لأن الله سخط على الشيطان لما سقط، وطرده من حضرته. ولا يتّفق مع عزّته الإلهية أن يفاوض معه للمصالحة. وثانياً: لأنّ المسيح منذ البداية دخل في حربٍ مع الشيطان لا هوادة فيها. وقد جاء في الكتاب المقدس: «مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ ٱلْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هٰذَا أُظْهِرَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ» (1 يوحنا 3: 8). وثالثاً: إنّ الشيطان في حربه مع المسيح لم يجرؤ على القول إنه أشرف من المسيح. على العكس! ففي مجمع كفر ناحوم حين أمر المسيح الشيطان أن يخرج من إنسانٍ، صرخ الشيطان: «مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ ٱللّٰهِ» (لوقا 4: 34). ورابعاً: إن القرآن نفسه يشهد لسموّ المسيح، وأنه ليس مخلوقاً من طين، بل هو روح الله وكلمته، وكان موجوداً من قبل الحَبَل به، فهو كلمة الله «أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ» (النساء 4: 171).
الذي يطالع إنجيل برنابا المزوّر بتدقيق، يجد فيه الكثير من اللمسات الإسلاميّة وأبرزها:
رواية الشَّبَه: فقد جاء في الفصل المئة والثاني عشر: «فاعلمْ يا برنابا أنه لأجل هذا يجب عليَّ التحفُّظ، وسيبيعني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة نقود. وعليه فإني على يقين من أن مَن يبيعني يُقتَل باسمي، لأنّ الله سيُصعِدني من الأرض، وسيغيّر منظرَ الخائن حتى يظنّه كلّ واحد إيّاي. ومع ذلك فإنه لما يموت شرّ ميتة، أمكث في ذلك العار زمناً طويلاً في العالَم. ولكن متى جاء محمّد رسول الله المقدَّس، تُزال عني هذه الوصمة» (ف 112: 13 - 17). فهذه الرواية من صميم التعليم الإسلامي في القرون الوسطى.
دعوى التحريف: يقول إنجيل برنابا المزوّر، في الفصل المئة والرابع والعشرين على لسان المسيح: «الحقّ أقول لكم إنّه لو لم يُمْحَ الحقُّ من كتاب موسى لما أعطى اللهُ داودَ أبانا الكتاب الثاني. ولو لم يفسد كتاب داود لم يعهد الله بإنجيله إليَّ، لأن الربّ إلهنا غير متغيّر، ولقد نطق برسالةٍ واحدة لكلّ البشر.. فمتى جاء رسول الله يجيء ليطهّر كلّ ما أفسد الفُجّار من كتابي» (ف 124: 8 - 10). فهذا القول يطعن بصحّة الكتب المقدّسة جميعاً، الأمر الذي لا يمكن أن يصدر عن المسيح الذي قال: «اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلٰكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (متّى 24: 35). بل إن القرآن نفسه يقول إنه جاء مصدِّقاً لما جاء قبله من الكتب، ومهيمناً عليها، أي حافظاً لها (سورة المائدة 48).
في مطلع هذا الكتيّب قلتُ إن الكتاب المنسوب إلى برنابا شهادة زور على الإنجيل، لأن معظم نصوصه تخالف الإنجيل. وأقدّم فيما يلي بعض النصوص التي وردت فيه، وهي بحقٍّ شهادة زور على القرآن:
يقول الإنجيل المزوّر: «فسافر يوسف من الناصرة، إحدى مدن الجليل، مع امرأته وهي حبلى ليُكتَتب عملاً بأمر قيصر. ولمّا بلغ بيت لحم لم يجد فيها مأوى، إذ كانت المدينة صغيرة، وحَشْد جماهير الغرباء كثير. فنزل خارج المدينة في نُزُلٍ جُعِل مأوى للرعاة. وبينما كان يوسف مقيماً هناك تمّت أيام مريم لتلد، فأحاط بالعذراء نورٌ شديدُ التألّق، وولدت ابنها بدون ألم» (ف 3: 5 - 10). بينما رواية القرآن تؤكّد أنها تألّمتْ كغيرها من النساء، إذ يقول القرآن: «فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَاءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً» (مريم 19: 22 - 23). والمخاض هو أوجاع الولادة.
ويقول الإنجيل المزوّر: «ما أتعسك أيها الجنس البشريّ، فإن الله اختارك ابناً، واهباً إيّاك الجنّة، ولكنك أيّها التعيس سقطت تحت غضب الله بفعل الشيطان، وطُرِدتَ من الجنّة» (ف 102: 18 - 19). بينما القرآن يحسب الاعتقاد بأبوّة الله كفراً يستوجب نار جهنّم، وينذر الذين قالوا إن الله اتّخذ ولداً (الكهف 4).
ويقول الإنجيل المزوّر: «فليقنع الرجل إذاً بالمرأة التي أعطاه إيّاها خالقُه، وَلينسَ كلّ امرأة أخرى» (ف 116: 18). بينما القرآن يعلّم بتعدّد الزوجات ويقول: «فَٱنْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ ٱلنِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» (النساء 4: 3).
يقول الإنجيل المزوّر: «لمّا خلق الله الإنسان خلقه حرّاً ليعلم أن ليس لله حاجة إليه، كما يفعل الملك الذي يعطي الحرية لعبيده ليظهر ثروته وليكون عبيده أشدّ حبّاً له» (ف 155: 13). وهذا النصّ يخالف القرآن، الذي يقول: «وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ» (الأسراء 17: 13). وقد فسّر الجلالان هذه الآية بالإسناد عن مجاهد بالقول: «ما مِن مولودٍ يولد إلاّ وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقيّ أو سعيد».
يقول الإنجيل المزوّر: «فحينئذٍ يقول رسول الله: يا ربّ يوجد من المؤمنين في الجحيم مَن لبث سبعين ألف سنة. أين رحمتك يا ربّ؟ إنّي أضرع إليك يا ربّ أن تعتقهم من هذه العقوبات المرّة. فيأمر الله حينئذٍ الملائكة الأربعة المقرَّبين لله أن يذهبوا إلى الجحيم ويُخرِجوا كل مَن على دين رسول الله ويقودوهم إلى الجنّة» (ف 137: 1 - 4). وهذا النصّ يخالف القرآن الذي ينفي مسألة العفو نفياً باتّاً، ويقول: «إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً» (الأحزاب 33: 64 - 65).
ويقول الإنجيل المزوّر: «فاعترف يسوع وقال الحقّ أقول لكم إنّي لستُ مسيّا (المسيح). فقالوا: أنت إيليّا أو إرميا أو أحد الأنبياء القدماء؟ فأجاب يسوع: كلاّ. حينئذٍ قالوا: مَن أنت؟ قُل لنشهد للذين أرسلونا؟ فقال يسوع: أنا صوت صارخ في اليهوديّة أعدّوا طريق رسول الربّ» (ف 42: 5 - 11). بينما القرآن يقول: «إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ» (آل عمران 3: 45).
فهل توجد شهادة زورٍ على الإنجيل والقرآن أشرّ من هذه الشهادة؟ هل يوجد مسلم يصدّق هذا الاختلاق أنّ المسيح هو محمّد بن عبد الله وليس عيسى ابن مريم؟
عزيزي القارئ،
إن رسالة الكاتب، كما يشير عنوان الكتاب، هي دعوة للفحص والاختبار. فامتحن معلوماتك بعد قراءة الكتاب بتمعن وأجب عن الأسئلة التالية وذلك بنسخ الأسئلة ونقلها على استمارة الاتصال في الموقع، وكتابة الإجابة أسفل كل سؤال.
لماذا لم يذكر الإمام الطبري «برنابا» بين كتَّاب الأناجيل؟
لماذا قبل فريقٌ من المسلمين إنجيل برنابا؟
اقتبس المؤلف كلمات الإمام المسعودي من كتاب «التنبيه والاشراف» (ص 136). ماذا تستفيد منها؟
كيف استدل العلماء أن «إنجيل برنابا» كُتب في القرن الخامس أو السادس عشر؟
من هو برنابا الحقيقي، وماذا تعرف مِن الإنجيل المقدس عنه؟
اذكر غلطتين جغرافيتين وردتا في «إنجيل برنابا».
من خرافات «إنجيل برنابا» أنه يذكر كيف خُلقت للإنسان سُرَّة. اذكر القصة، وأين تجدها في إنجيل برنابا.
يقول «إنجيل برنابا» إن الحق مُحِي من كتابي موسى وداود. برهن بآيةٍ من الإنجيل وأخرى من القرآن أن هذا لم يحدث.
من هو القائل الحقيقي لعبارة: «لستُ مستحقاً أن أحل سيور حذائه»؟ اكتب شاهدها الصحيح.
اكتب حقيقتين يناقض فيهما إنجيل برنابا ما جاء بالقرآن.
الرجاء استخدام الاستمارة الخاصة بالموقع للاتصال بنا:
www.the-good-way.com/ar/contact
او يمكنك ارسال رسالة عادية الى:
The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland